عبد الناصر حسّو
مقدمة
سرعان ما تحولت الاحتجاجات الشعبية في سوريا إلى صراع دموي، راح ضحيته قرابة مليون إنسان منذ 2011، وذلك بتأثير العوامل الخارجية، الدولية والإقليمية، التي شهدتها الساحة السورية خلال السنوات الماضية. ومع تحوّل الثورة إلى طورها العسكري، عانت من تحولاتٍ سياسية وعسكرية واسعة، فقد تعدّدت الفصائل وتكاثرت، وبحسب التقديرات وصل عددها في عام 2014 إلى حدود الألف فصيل، تضمّ ما لا يقلّ عن 100 ألف مقاتل سوري وأجنبي، وتنوعت توجهاتها بحسب الدول الداعمة لها، وكبرت مساحات الأراضي الخاضعة لسيطرتها (بلغت في وقتٍ من الأوقات 70% من مساحة سوريا)، الأمر الذي أدّى إلى دخولها في صراعات دموية فيما بينها للسيطرة على المعابر والأنفاق، مغلفةً تلك الصراعات بالأيديولوجيا والفتاوي الدينية، وقد فشلت كلّ المحاولات التي سعت لدمج هذه الفصائل وتوحيدها.
وعملياً، لم تنجح الثورة المسلّحة منذ العام 2013 بأي عملية مركزية، ولم تستطع أن تقوم بأي معركة ذات أهداف استراتيجية وتكتيكية، بل إنّ معظم المعارك التي خاضتها كانت في مجملها استجابة للصراع الإقليمي والدولي على النفوذ في الخارطة الميدانية.
تأسيس "الجيش الوطني" ضرورة تركية
كانت المحاولة الأولى لتأسيس كيان عسكري بعد حركة الانشقاقات في الجيش النظامي، هي تأسيس "لواء الضباط الأحرار"، بمبادرة من المقدّم المنشق حسين هرموش، لكن المحاولة باءت بالفشل، بعد أن اعتقلته المخابرات التركية، وسلّمته إلى النظام السوري على خلفية خلافه مع القيادات التركية، بسبب رفضه الارتهان والتعاون مع الإخوان المسلمين كما أُشيع وقتها.
على أنقاض "الضباط الأحرار"، قام "الجيش السوري الحر"، كجناح عسكري للثورة السورية، ولكن ببنية هلامية ومن دون أي عقيدة واضحة، ولا أي مرجعية سياسية، تُقدّم رؤية لسورية ما بعد سقوط نظام الأسد. ورغم ذلك بدا وكأنّ فصائل الجيش الحرّ هي البديل الوطني لجيش النظام الذي وقف في وجه شعبه. تشعّب فصائل "الجيش الحرّ"، وعدم وجود قيادة مركزية حقيقية لها، أدّى إلى استقلال كلّ فصيل عن الآخر، إلى حدّ التقاتل فيما بينها. وكان واضحاً منذ البداية تغلغل الإسلاميين بقوة في هذه الفصائل، وقد اتضح ذلك من خلال أسماء الفصائل، وراياتها، وشعاراتها، وزي مقاتليها.