ذات صلة

الإعفاءات من عقوبات “قيصر”: الأغراض السياسية والاقتصادية

أقرت الولايات المتحدة في 17 يونيو/حزيران 2020 حزمة من العقوبات الاقتصادية حملت اسم “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا” موجّهة ضد النظام السوري وحلفائه والشركات والأفراد المرتبطين به، فيما تبعتها إجراءات عقابية أخرى تبعاً للقانون. وتشمل العقوبات أيضاً الدول التي تدعم الحكومة السورية مثل إيران وروسيا لمدة 10 سنوات في مجالات الطاقة والهندسة والأعمال والنقل الجوي.

ويتناول قانون قيصر حزمة عقوبات اقتصادية ومالية ومصرفية تستهدف بشكل أساسي عملية إعادة الإعمار. ويستهدف أيضاً عدداً من الصناعات السورية، من ضمنها كل ما يتعلق بمشاريع البنى التحتية وصيانة الآليات العسكرية وإنتاج الطاقة، فضلاً عن أنه استهدف المصرف المركزي السوري “القطاع المصرفي”، والأشخاص الأجانب الذين ينخرطون في معاملات معينة، أي أولئك الذين يوفرون الدعم المالي أو التقني للنظام السوري، أو التعاقد معه أو مع الحكومة السورية أو أي من المؤسسات الرسمية أو الكيانات التي تسيطر عليها الحكومة السورية أو أي شخصية سياسية رفيعة المستوى فيها أو أي شخص أجنبي متعاقد عسكرياً أو مرتزق أو قوة شبه عسكرية تعمل داخل سوريا لصالح حكومتها أو نيابة عنها، كما ينطبق على الحكومتين الروسية والإيرانية أو أي شخصية تطالها أساساً العقوبات الأميركية، وذلك على خلفية دعم روسيا وإيران لنظام الأسد.

بيد أن القانون الذي شمل كل الجغرافية السورية، حتى تلك الخارجة عن سلطة دمشق، تمت معالجته من خلال إعفاءات قدّمتها وزارة الخزانة الأمريكية لشمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ومناطق تتبع لسيطرة “الجيش الوطني”، فيما استثنت الاعفاءات منطقتي إدلب وعفرين.

الإعفاءات والمناطق المعفاة من العقوبات

أصدرت الولايات المتحدة، في فبراير الماضي، سلّة إعفاءات مخصصة لعدد من القطاعات وفي مناطق محددة من سوريا، تحديداً تلك الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق. وإقرار الإعفاءات من العقوبات على مناطق شمال شرقي وغربي سوريا “كانت قيد الإعداد منذ الصيف الماضي، ولكن بيروقراطية وزارة الخزانة الأميركية أوقفتها”(1). وبحسب بيان لوزارة الخزانة الأميركية، فإنه سيسمح بممارسة النشاط الاقتصادي في 12 قطاعًا، تشمل الزراعة والاتصالات والكهرباء والمياه والنفايات والبناء والطاقة النظيفة والتمويل والنقل والتخزين، إضافة إلى القطاعات المتعلقة بالخدمات الصحية والتعليم والتصنيع، في مناطق شمال شرقي سورية التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)(2). ومناطق محدّدة في شمال غربي سوريا حيث يسيطر “الجيش الوطني”.

وأصدرت الخزانة، في 12 من أيار الماضي، بياناً جاء فيه أنها سمحت ببعض الاستثمارات الأجنبية في المناطق الواقعة شمالي سوريا والخارجة عن سيطرة حكومة النظام، والتي اعتبرتها استراتيجية تهدف لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي(3).

وسمحت الرخصة أيضاً بشراء منتجات نفطية مثل البنزين في المنطقة، باستثناء المعاملات التي تشارك فيها حكومة النظام السوري أو تلك المصنفة بموجب العقوبات الأمريكية. كما أنها لم تسمح باستيراد النفط السوري المنشأ أو المنتجات البترولية إلى الولايات المتحدة(4)، الأمر الذي يعكس عدم اهتمام واشنطن بالنفط السوري، خلا البعد الذي يلحق الضرر بالنظام وبما يساهم في دعم اقتصادي لحلفائها في قسد خلال المواجهة المستمرة لداعش.

وفيما شملت الإعفاءات المناطق الخارجة عن سلطة حكومة دمشق فإن الإعفاء استثنى منطقتي إدلب وعفرين، إذ تسيطر هيئة تحرير الشام على إدلب، الجماعة السنية المتشددة المدرجة على قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابي.  وكذلك عفرين، الجيب ذي الأغلبية الكردية التي غزتها القوات التركية واحتلالها في كانون الثاني / يناير 2018(5)، وهو الأمر الذي اعتبرته تركيا والمعارضة المقرّبة منها تمييزاً لصالح شمال شرقي سوريا.

الأغراض السياسية والاقتصادية من الإعفاءات

يرمي الغرض الأوّل من الإعفاء إلى زيادة الضغط على اقتصاد نظام الأسد من خلال جذب الشركات إلى الشمال الشرقي، والانتقال من اقتصاد يعتمد على المساعدة والدعم المستمر، ومن الاقتصاد القائم على التجارة، إلى اقتصاد مستدام ذاتياً(6).

فيما يهدف الغرض الثاني بحسب تصريح لإيثان غولدريتش، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لملف سوريا وبلاد الشام في مكتب شؤون الشرق الأدنى، “هدفنا هو منع عودة ظهور داعش من خلال التخفيف من انعدام الأمن الاقتصادي المتزايد، واستعادة الخدمات الأساسية المحررة من الجماعة الإرهابية”. وقد أشار غولدريتش إلى أنه بدون استقرار اقتصادي، تصبح هذه المناطق عرضة للاستغلال من قبل الجماعات الإرهابية، وخاصة “داعش”(7).

المواقف من الإعفاءات

في شمال شرقي سوريا حيث تسيطر “قسد” المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا سادت أصداءٌ إيجابية بخصوص خطوة واشنطن، وهو ما عكسته تصريحات قائد قسد، مظلوم عبدي، بقوله عبر “تويتر” إنها “خطوة جيدة لإعادة بناء البنية التحتية، ودعم الاقتصاد”. فيما تحدث الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد في “الإدارة الذاتية”، سلمان بارودو، أنهم (في الإدارة الذاتية) “بصدد إصدار قانون للاستثمار، بعد استثناء مناطقنا من عقوبات قيصر”(8).

أما على الضفة الأخرى قال وزير الاقتصاد والمالية في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، أن الاستثناء جعل المناطق المعفاة محصورة ضمن مدينتي اعزاز وجرابلس. هذه تقريباً أقل من نصف المناطق المحررة في شمال غربي سوريا، وبالتالي فإنه، في الشمال الشرقي، ستكون قسد المستفيدة الأكبر، حيث أن لديها خزان نفط وتسيطر على 50 بالمئة من غاز سوريا ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية. وسينعكس عليهم إيجابا أكثر من باقي المناطق(9).

الموقف الأكثر تشدداً صدر عن تركيا، إذ اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن استثناء الولايات المتحدة مناطق في الشمال السوري من عقوبات قانون “قيصر” قرار خاطئ. وقال أردوغان في تصريحات نقلتها وكالة “الأناضول” التركية، إن وحدات حماية الشعب الكردية “تنظيم إرهابي” تماماً مثل حزب “العمال” الكردستاني”، و”لا يمكن أن نقبل قرار واشنطن الخاطئ” بشأن إعفاء مناطق سيطرة التنظيم من العقوبات في سوريا(10). وفي السياق ذاته اعتبر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن الاستثناءات الأميركية من العقوبات على سوريا هي محاولات لشرعنة «الوحدات» الكردية التي وصفها بالتنظيم الإرهابي.  وأن الولايات المتحدة لا تريد إبداء مرونة بخصوص العقوبات على المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لكنها في الوقت ذاته تتصرف بانتقائية حيال المناطق الخارجة عن سيطرتها(11).

في إزاء الموقف التركي أبدت دمشق رفضها المعلن للإعفاءات، حيثأدانت وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة النظام السوري استثناء واشنطن مناطق في شمال شرقي وغربي سوريا من عقوبات قانون “قيصر” المفروضة عليها. وقالت الوزارة في بيان لها أن “الإدارات (الأمريكية) المتعاقبة كانت خلف الحرب (الإرهابية) التي تعرضت لها منذ عشر سنوات وحتى الآن”. واتهمت الوزارة واشنطن بأنها تقدم مساعدات لـ” التنظيمات الإرهابية” المسلحة في شمال شرقي وشمال غربي سوريا، الأمر الذي أدى إلى تدمير إمكانيات الاقتصاد السوري ونهب ثرواته من قطن ونفط وقمح وآثار، بحسب قولها(12).

خاتمة

  لم يفضي إقرار الإعفاءات إلى ما يشير لتحسن الأوضاع الاقتصادية للمناطق المعفاة، فيما تنعكس تأثيرات العقوبات على مجمل سوريا، كما أن الغايات الاستثمارية من الإعفاءات باتت مرتبطة بدرجة ما بحالة الاستقرار على الأرض، على سبيل المثال كان للتهديدات التركية بتنفيذ عملية عسكرية خامسة في الشمال السوري دور مهم في تقويض مشروع الإعفاءات.

وإذا كانت واشنطن قد أشارت إلى أن الغاية من الإعفاءات هو تحقيق المزيد من الاستقرار والتضييق على نظام الأسد وقطع الطريق على عودة الإرهاب، فإن غايات أخرى كانت مرتبطة باحتمال أن يشكّل الإعفاء فرصة للتعاون الاقتصادي بين شمال شرق وغرب سوريا، وبالتالي تحقيق فرصة للتفاهم بين قسد وتركيا عبر البوابة الاقتصادية.

بيد أن ثمة رأي يذهب إلى أن لا غايات من الإعفاءات سوى “الإغاثة الاقتصادية”. فقد طلبت وزارة الخارجية الأميركية خلال السنة المالية 2022، مبلغ 125 مليون دولار للمساعدات الاقتصادية ولخطة تحقيق الاستقرار في سوريا، ومن غير الواضح حتى الآن إن كان هذا المبلغ سيرتفع أم لا، وبالتالي فإن أي شيء خارج ملف الإغاثة “هو ثانوي”(13).

(1)
(2)
(3)
(4)
(5)
(6)
(7)
(8)
(9)
(10)
(11)
(12)
(13)
قائمة بالمصادر المستخدمة في المادة