ذات صلة

أبعد من زيارة ولي العهد السعودي لتركيا

ضمن جولة إقليمية شملت الأردن ومصر، زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تركيا، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد زار  السعودية في إبريل/نيسان الماضي، حيث التقى العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده.

كانت أنقرة منذ العام 2018 تشكّل رأس الحربة في مواجهة الدور السعودي الإقليمي في المنطقة ضمن سياسة التنافس على الأدوار بين الدولتين، بيد أن الأوضاع الاقتصادية المتردّية في تركيا و هبوط الليرة التركية والتضخم بأكثر من 70٪ أجبر الرئيس التركي على تغيير مساره. وعلى مدى أشهر، قدمت أنقرة مبادرات إلى الرياض – وكذلك أقرب حليف للسعودية في الخليج، أبو ظبي – لإصلاح العلاقات التركية الخليجية، ودائماً على ضوء قراءة أنقرة لعودة العلاقات من باب العلاقات التجارية والاقتصادية.

في الأثناء تحوّلت الرياض إلى محط استقطاب إقليمي ودولي، ذلك أن أشد خصومها في المنطقة، تركيا، تحاول إعادة العلاقات معها إلى سابق عهدها، فيما تحاول إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، التقارب مع المملكة وتفهّم مخاوفها المتصلة بأمن المنطقة والخليج وإعادة واشنطن مجدداً إلى المنطقة عبر الحصول على تعهدات بحماية مصالح حليفتها السعودية، بينما تسعى الرياض إلى إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة العربية تبعاً لاحتياجات الأمن القومي العربي والسعودي ومنعاً لاختلال ميزان القوة في المنطقة.

ملفّات الزيارة

تأتي جهود تركيا لتحسين العلاقات مع السعودية في الوقت الذي تواجه فيه تركيا أسوأ أزمة اقتصادية لها منذ عقدين وتحاول جذب استثمارات من دول الخليج العربية الثرية. كما اتخذت تركيا خطوات لتحسين العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة ومصر وإسرائيل(1). وتطوي صفحة الخلافات وتفتح الباب على مصراعيه لتعزيز التعاون بينما تبدو أنقرة في أمس الحاجة لتنشيط العلاقات الاقتصادية مع المملكة للتنفيس عن أزمتها الاقتصادية(2).

البعد الاقتصادي والتجاري كان الأكثر حضوراً في الاجتماع، فقد كشف البيان الختامي الخطوط العريضة لطبيعة العلاقة المقبلة فقد أكد بن سلمان وأردوغان في البيان الختامي”بأقوى صورة على عزمهما المشترك لتعزيز التعاون في العلاقات الثنائية بين البلدين بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية”. وأضاف أن الجانبين ناقشا “تطوير شراكات إنتاجية واستثمارية في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية والمدن الذكية”، وكذلك “تطلعهما للتعاون في مجالات الطاقة”، لكنهما لم يعلنا عن صفقات ملموسة.وجاء في البيان “اتفق الجانبان بخصوص تفعيل الاتفاقيات الموقعة بينهما في مجالات التعاون الدفاعي بشكل يخدم مصالح البلدين ويساهم في ضمان أمن واستقرار المنطقة”(3). وأفاد مسؤول تركي لرويترز إن السعودية قد تكون مهتمة بالاستحواذ على حصص في شركات يسيطر عليها صندوق الثروة التركي. ونقلت حكومة أردوغان أكبر الشركات المملوكة للدولة في تركيا بعيداً عن الرقابة البرلمانية إلى صندوق الثروة في عام 2016. ويترأس أردوغان الصندوق. وقال المصدر إن الزعيمين سيناقشان أيضا إمكانية بيع طائرات تركية مسلحة بدون طيار للرياض(4). لكن يبدو أن المملكة حذرة من الإفراط أو الاستعجال في التوسّع في العلاقة قبل أن تجني ثمار ذلك التعاون، إذ قال مسؤول تركي لرويترز إن المفاوضات مع السعودية بشأن خط محتمل لمبادلة العملة، والتي من شأنها أن تساعد البنك المركزي في الدفاع عن الليرة المتعثرة، لا تتحرك “بالسرعة المطلوبة”(5).

الجولة السعودية جزء من سياسات أوسع

تسعى السعودية عبر زياراتها الأخيرة التأكيد على أهمية دورها الإقليمي وتأثيرها الدولي عبر توحيد القرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط، بعد حالات التشرذم التي شهدتها المنطقة طوال أعوام ماضية، إضافة أيضًا إلى النتائج الإيجابية فيما يتعلق بالاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين المملكة من جهة والدول الثلاث، مثل الاتفاقات مع مصر والتي بلغت نحو 14 اتفاقًا بقيمة 7.7 مليارات دولار، والاتفاق مع المملكة الأردنية في دعم البنية التحتية بها ومن بينها مشاريع بنحو 2.5 مليار دولار، وإعادة الزخم للعلاقات الاقتصادية السعودية – التركية مجددًا، وغيرها من النتائج التي تعود على الأطراف كافة بالفائدة(6).

وقد أصبحت الثروة النفطية الهائلة للمملكة العربية السعودية الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى وسط أزمة الإمدادات التي أشعلتها الحرب الروسية في أوكرانيا. فأردوغان ليس وحده الذي يسعى لنيل ثقة السعودية وإعادة العلاقات معها.إذ يسافر الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى جدة (7)، الشهر القادم. ورغم الجفاء الحاصل في علاقة البلدين فإن الأسباب الضاغطة في مراكز القرار الدولي تتطلّب التراجع عن فكرة معاقبة المملكة أو الضغط عليها،فمع استمرار ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية ، لم يعد أمام الرئيس خيار سوى التعامل مع السعوديين إذا كان يريد الحصول على مزيد من النفط الخام في السوق(8). خاصة وأن السعودية بإمكانها رفع مستويات الانتاج رغم الزيادة الطفيفة التي أعلنت عنها منظّمة أوبك والتي لا تسد النقص الروسيّ في الأسواق.

وقد قرأت السعودية الاحتياجات الإقليمية والدولية لدورها وأبدت مرونة في هذا الاتجاه، خاصة مع تركيا والولايات المتحدة، فقدوصفت السفارة السعودية في واشنطن الزيارة بأنها تأتي تلبية لدعوة الملك “لتعزيز العلاقات الثنائية التاريخية والشراكة الاستراتيجية المتميزة بين البلدين”(9). ولأجل ذلك سيحضر الرئيس الأمريكي قمة التعاون الخليجي المقبلة إضافة إلى مشاركة الأردن والعراق ومصر، ما يعني أن الجولة السعودية الأخيرة جاءت في ضوء الإعداد لمرحلة جديدة بقيادة السعودية وبقبول أمريكي محتمل لهذه الخطوات.

خاتمة

تحاول المملكة عبر الزيارات التي قام بها ولي عهدها، محمد بن سلمان، إعادة صياغة العلاقات الإقليمية، على أن تكون الريادة الإقليمية سعودية، ولعل رد الزيارة إلى تركيا جاء في سياق التأكيد على أهمية دور الرياض الاقتصادي في المنطقة وصعوبة الاستغناء عن إمكانياتها، وتعبير عن أن السعودية لا تعتمد على سياسة المناكفة والعداء المفتوحين، فيما يعكس تراجع إدارة بايدن عن الحديّة التي اتسمت بها إزاء المملكة تقديم المصالح على المواقف التي بنتها الإدارة بالضد من سياسة الإدارة السابقة في عهد دونالد ترامب فيما خص دول الخليج والسعودية تحديداً.

تذهب اتجاهات ترى في الحراك الخارجي السعودي مقدمة لتشكيل كيان إقليمي/عربيّ موازٍ لمجلس التعاون أو الجامعة العربية، فيما يرشح عن المشروع شكله الأولي بأن يكون أقرب إلى “ناتو” عربي، أي أن يكون أقرب لمعاهدة دفاعية عربية تحقق التوازن في المنطقة، ودائماً عبر دور ريادي تطمح إليه السعودية.

(1)
(2)
(3)
(4)
(5)
(6)
(7)
(8)
(9)
المصادر المستخدمة في المادة