ذات صلة

قمة سوتشي الأخيرة: توسيع للتفاهمات والاتفاقات بين موسكو وأنقرة

اجتمع الرئيس رجب طيب أردوغان، في السادس من الشهر الجاري، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي على البحر الأسود، وهو ثاني لقاء بين الزعيمين خلال شهر. ويأتي الاجتماع بعد أن غادرت أول سفينة تحمل حبوباً أوكرانية من البحر الأسود بموجب اتفاق توسطت فيه تركيا والأمم المتحدة بين كييف وموسكو، فيما تعتبر القمة استكمالاً لمعالجة النقاط الخلافية في قمة طهران التي جمعتهما رفقة الرئيس الإيراني قبل ثلاث أسابيع من لقائهما الثنائي في سوتشي.

بطبيعة الحال لم تغب سوريا عن جدول الأعمال وقد يكون اللقاء مقدمة لتبدّل الأوضاع في سوريا. كما برز الملف الاقتصادي رغم ما يوصف به اقتصاد البلدين، الروسي المحاصر والتركي المأزوم، ومن الطبيعي أن تفرض الاتفاقات الأخيرة بين البلدين بظلالها على علاقة تركيا بأوروبا حيث أبدت الأخيرة قلقها من نتائج قمة سوتشي الأخيرة.

سوريا الحاضرة دائماً

في جدول أعمال قمة سوتشي كانت سوريا الحاضر الأبرز في نقاشات الرئيسين، إذ أكد الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عزم بلديهما على التنسيق بمكافحة التنظيمات الإرهابية في سوريا، وذلك في بيان مشترك عقب اجتماعهما بمدينة سوتشي(1). لكن دون أن يحددا المقصود بـ”التنظيمات الإرهابية”، ذلك أن روسيا، وعلى عكس تركيا، لا ترى حتى اللحظة في “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والتشكيلات العسكرية المنضوية تحت لوائه “كوحدات حماية الشعب”بأنها تنظيمات إرهابية، الأمر الذي يجعل التصريح فضفاضاً. ورغم تعاون موسكو وأنقرة في عدة قضايا، إلا أن تهديدات الأخيرة المتكررة بشن عملية عسكرية في سوريا تعد خلافاً أساسياً بين رئيسي البلدين(2).

ولكن هذا الخلاف بين البلدين يبدو أنه بدأ يخضع لمعالجة جديدة، إذ أبلغ بوتين أردوغان لدى لقائهما على هامش القمة الثلاثية (مع الرئيس الإيراني) في طهران، قبل حوالي شهر من الآن، بتعذّر منح أنقرة الضوء الأخضر لشن هجمات داخل سوريا، فيما تشير المعطيات الحالية بعد اللقاء الثنائي في سوتشي، إلى اختلاف في التعاطي هذه المرة، من ذلك مثلاً هناك احتمالات عدة منها: السماح بتوسيع ضربات المُسيَّرات (الدرون) ضد قياديين من “حزب العمال الكردستان” أو من “وحدات حماية الشعب”، وأيضاً استضافة موسكو سلسلة من الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى بين مسؤولين سوريين وأتراك، للبحث عن إمكانية تلبية المطالب التركية دون التوغل البري والإقامة في الأراضي السورية. وهذا حصل فعلاً في الأيام الأخيرة بالعاصمة الروسية(3). فيما يبدو أن هناك تغيّراً فيما خصّ وضع اتفاق أضنة بين أنقرة ودمشق لعام 1998 على مائدة التفاوض مجدداً، وإمكانية البحث عن توقيع اتفاق «أضنة-2» بما يعكس الواقع السوري الجديد ويسمح لتنسيق أمني سوري- تركي لضمان أمن الحدود ومحاربة الإرهاب، وتعاون سياسي مستقبلي(4). وقد كان لافتاً كلام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن «دعم سياسي» لدمشق ضد الأكراد. وإمكانية السماح الروسي بعملية عسكرية تركية محدودة في تل رفعت في ريف حلب، لتحييد منصات الصواريخ التي تشكل تهديداً ومصدراً للهجمات على الجيش التركي وفصائل موالية له في عفرين. موعد هذه العملية مرتبط بمواعيد تركية تخص الانتخابات، وتفاهمات بين موسكو وأنقرة تخص ملفات أخرى، بما فيها “صفقة الحبوب” الأوكرانية(5).

وقد بدأت مفاعيل اللقاء تظهر سريعاً، إذ صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للصحفيين خلال عودته من قمة “سوتشي” بالطائرة، بأنه فيما يخص الحل في سوريا، أشار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى إيجاد الحل بالاشتراك مع النظام السوري، واصفاً إياه بالحل “الأكثر منطقية”. وفي رده على تصريحات بوتين، قال أردوغان بحسب ما نقلته صحيفة “خبر ترك”، يوم السبت 6 من آب/أغسطس، “إن أجهزة مخابراتنا تعمل مع السورية في هذا الخصوص، ولكن الأهم هنا هو الحصول على نتائج” (6)، وهو ما يعكس قبولاً تركياً مبدأياً لفتح أقنية مباشرة مع دمشق، لا سيّما وأن عبارة “أهمية صون وحدة سوريا السياسية”(7)، التي شدّد عليها البيان الختامي للقمة عليها، الأمر يعكس مزاجاً تركياً جديداً يعترف بالنظام السوري باعتباره ممثّلاً للوحدة السياسية للبلاد. إضافة لما كشفه الرئيس التركي، عقب القمة، عن وجود تعاون بين أنقرة ودمشق، على الصعيد الأمني في إطار ما أسماه “محاربة الإرهاب”، مشيراً إلى أن الأكثر أهمية هي النتائج(8).

البعد الاقتصادي في اللقاء

كان الجانب الاقتصادي حاضراً بقوة في القمة، إذ اتفق الرئيس خلال القمة على تعزيز التعاون في النقل والزراعة والشؤون المالية وصناعات البناء والتشييد(9).

ويأتي الجانب الاقتصادي، في قمة الرئيسين، كمتمّم للدور الذي تلعبه أنقرة، بتخفيض الآثار الاقتصادية للحرب الروسية على أوكرانيا، التي انعكست على الأسواق العالمية، جراء تعطيل الصادرات الغذائية من روسيا وأوكرانيا، وذلك بعد أن نجحت أنقرة في رعاية التوقيع بين روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة على “وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية” في إسطنبول 22 يوليو/تموز الماضي، التي تحولت إلى واقع، بعد تصدير أول باخرة ذرة من أوكرانيا، عبر إسطنبول إلى لبنان الأسبوع الماضي. واتفق الرئيسان، بحسب نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، على تحويل جزء من مدفوعات الغاز الروسي إلى الروبل وضرورة ضمان تنفيذ الاتفاقات الخاصة بالحبوب، التي جرى التوصل إليها في إسطنبول، ومن بينها تصدير الحبوب الروسية دون عوائق(10). وقد طاول التفاهم 16 مادة، كان الاقتصاد عمودها الفقري والأساس، إلى جانب مواد سياسية وعسكرية وصناعات عسكرية(11). وأصبح بوسع تركيا أن تكون هي المركز الإقليمي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، بدلاً من أوكرانيا، عبر خط “ساوث – ستريم”، أو “ترك ستريم”. كما اتفق الطرفان على أن تسدد تركيا ثمن الغاز بالروبل الروسي، جزئيا على الأقل، وذلك في إطار صفقة تشمل التجارة بالعملة المحلية للبلدين(12).

كذلك اتفق الرئيسان، على إزالة العقبات أمام محطة الطاقة النووية “آق قيو” التي تشاد في ولاية مرسين التركية، بقدرة 4800 ميغاوات، بعد تلميحات روسية بتأخير تسليم المفاعل مطلع العام المقبل وإصرار الرئيس التركي على ضرورة تسليم المرحلة الأولى حسب الاتفاق عام 2023 واستمرار تنفيذ المشروع وفق الاتفاقات السابقة(13).

قلق أوربي متصل

قال ستة مسؤولين غربيين لصحيفة فاينانشيال تايمز إنهم قلقون بشأن اتفاق الجمعة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان للتعاون في التجارة والطاقة. وقال مسؤول من الاتحاد لصحيفة نفسها: إن الاتحاد الأوروبي يراقب التعاون التركي الروسي “عن كثب”، معرباً عن قلقه من أن تركيا أصبحت “بشكل متزايد” منصة للتجارة مع روسيا(14).

ومبعث القلق الأوربي يكمن أيضاً في ما قاله المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف حين أكد أن موضوع شراء روسيا لطائرات تركية مسيّرة مطروح على جدول أعمال اللقاء بين الرئيسين. كما كان أردوغان أكد بنفسه بعد عودته من اللقاء الثلاثي في طهران، قبل نحو ثلاثة أسابيع، أنه تلقى طلبا من بوتين بهذا الصدد(15). ولم يكشف الطرفان صراحة عمّا إذا كانا قد توصلا إلى اتفاق بشأن قيام تركيا بتزويد روسيا بطائرات مسيرة تركية. إلا أن هذا الموضوع كان بكل تأكيد موجودا على جدول أعمال اللقاء بين الزعيمين. ويعود مصدر الخطورة الرئيسي في هذا الموضوع إلى أن روسيا تريد استخدام الطائرات التركية المسيرة لاستهداف الأسلحة الغربية التي يجري تزويد أوكرانيا بها. وهو أمر لو ثبت أن اتفاقا بشأنه قد تم بالفعل، فإنه سيكون أكبر تهديد داخلي يشكله بلد عضو في الأطلسي ضد أسلحة الأعضاء الأخرى، وسياساتهم(16).

خاتمة

بدأت التحوّلات في السياستين التركية والروسية تتخذ وجهة أكثر وضوحاً وهو ما كشفته قمة سوتشي الأخيرة، لا سيما فيما يخص الخلاف المزمن في سوريا وبداية التواصل إلى مقدمات جديدة  لتفاهم  روسي تركي وعماده تفاهم الأخيرة مع النظام السوري، وكذلك التعاون الاقتصادي والتجاري بين أنقرة وموسكو الذي يبدو أن تعاونهما قد يقلق الاتحاد الأوربي والذي يبدو أنه لن يمرّ دون مواقف أوربية واضحة، وربما يقلق الأمر الولايات المتحدة أيضاً التي لم تعلّق إلى الآن، خاصة وأن مسألة التعاون العسكري واحتمال تزويد أنقرة موسكو بالمسيّرات بات يثير حفيظة المسؤولين الغربيين خاصة أن تزوّد روسيا بها يعني استخدامها في الحرب في أوكرانيا.

(1)
(2)
(3)
(4)
(5)
(6)
(7)
(8)
(9)
(10)
(11)
(12)
(13)
(14)
(15)
(16)
قائمة بالمصادر المستخدمة في المادة