ذات صلة

التدخل الإيراني في السويداء وقلق الأردن المتصل

شهدت السويداء خلال الشهر الماضي مواجهات مسلّحة بين الجماعات المسلّحة في المحافظة، أسفرت في نهاية المطاف إلى تصفية فصيل “قوّات الفجر” المحسوب على الأمن العسكري/إيران، في حين أن الهدف الأبعد للمواجهات كانت تطويق التدخّل الإيراني في المحافظة ومحاولة التخلّص من آفة المخدّرات التي بدأت تغزو السويداء إلى جانب وضع حد لظواهر الخطف المتكرّرة، فيما أرجأت أوساط درزية المشكلات في المحافظة إلى مسعى من قبل النظام وإيران لإشعال فتنة درزية تنتهي باحتكام المحافظة للسلطة المباشرة لهذين الحليفين.

بدوره يبدي الأردن قلقاً من تنامي الدور الإيراني على حدوده الجنوبية، وكذلك خطر عمليات تهريب المخدّرات إلى الداخل الأردني، الأمر الذي يجمع مخاوف معظم سكان المحافظة مع مخاوف أردنية عبّر عنها الرسميون الأردنيون ومن بينهم العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني. 

الحضور الإيراني المتنامي في المحافظة

شهدت محافظة السويداء، جنوبي سوريا، خلال الأسبوع الأخير من تموز الماضي، مواجهات عسكرية بين مجموعات وفصائل محلية في مواجهة مجموعة تابعة لقوات “الأمن العسكري” التابع للنظام، ويقودها راجي فلحوط، وتُعرف باسم “قوات الفجر”، وانتهت بإنهاء وجود هذه المجموعة(1). وكانت قد تمكنت إيران من اختراق المنطقة من خلال مجموعات محلية تتبع شعبة الأمن العسكري، يتزعم أكبرها المدعو راجي فلحوط، وأخرى يتزعمها معتز مزهر ورامي مزهر ومجدي نعيم(2). وقبل ذلك تصاعدت التحذيرات من فتنة درزية قد تشتعل بين أبناء محافظة السويداء في جنوب سوريا، بعد التهديد الذي أطلقته “ميليشيا الدفاع الوطني” المدعومة إيرانياً، ضد حزب “اللواء” السوري والمعارضين الذين حمّلوا إيران والنظام السوري المسؤولية عن الفتنة إذا بدأت(3).  

أحد السيناريوهات  ذهب إلى أن النظام وإيران سعيتا إلى ضرب القوتين (مجموعة فلحوط وقوة مكافحة الإرهاب) ببعضهما بعضاً، للتخلص من كليهما وإثارة المزيد من الفوضى في المحافظة وتقديمها على طبق من ذهب إلى الميليشيات التي ستدخلها لاحقاً بحجة ضبط الأمن(4).

وخلال اجتماع لوجهاء من الطائفة الدرزية في “مضافة الكرامة” ببلدة المزرعة، غربي السويداء، قال ليث البلعوس نجل الشيخ وحيد البلعوس والقائد العسكري لحركة “رجال الكرامة”، وهي أكبر فصائل السويداء العسكرية، إن الأحداث (المواجهات) تمثّل”اجتثاث للمد الإيراني وليست اجتثاثاً لراجي فلحوط”(5). وبطبيعة الحال فإن معظم الميليشيات الإيرانية في السويداء هي مجموعات صغيرة تأخذ أوامرها من شعبة الأمن العسكري التي تسيطر عليها إيران، وما يؤكد ذلك أنها دعت عدة مرات شخصيات من المحافظة لزيارة طهران في محاولة لكسب ولائهم والتغلغل أكثر في المنطقة(6).

وجهاء السويداء أكدوا، رفضهم للوجود الإيراني و”حزب الله” اللبناني، في السويداء، واعتبروا إيران هي السبب خلف انتشار المخدرات كونها تدعم العصابات الإرهابية في السويداء وجرائم القتل والخطف بدعم من الأجهزة الأمنية وخاصة الأمن العسكري وأمن الدولة، بالإضافة إلى الوضع المعيشي السيء الذي تعيشه المحافظة نتيجة الفساد، مما دفع بأبناء السويداء للهجرة خارج البلاد(7).

دعم التواجد من خلال المخدّرات والتهريب

تم إغراق الجنوب بمراكز تجميع وتخزين المخدرات. وأُغرقت الأسواق بهذه المادة بشكل كبير لدرجة أصبحت في متناول الأطفال، من دون نسيان مراكز التصنيع(8)؛ ففي يوليو/ تموز الماضي، ضبطت الفصائل المحلية، في محافظة السويداء، مصانع وآلات لتصنيع المخدرات، في مقر مجموعات مسلحة تابعة للأمن العسكري جنوب سوريا. وذكرت شبكة أخبار “السويداء 24″، أن “حركة رجال الكرامة تضبط آلات ومكابس لتصنيع حبوب الكبتاغون، في مقر الإرهابي راجي فلحوط، المدعوم من شعبة المخابرات العسكرية، في بلدة عتيل شمال السويداء” فيما توجّه الاتهامات لحزب الله بأن أنشأ قبل ذلك قبل ذلك بشهرين “معملاً لتصنيع الكبتاغون، لتهريبه إلى الأردن، أو ترويجه محلياً، وسط تردد مجموعة تابعة لحزب الله، أفرادها من منطقة بعلبك اللبنانية، إلى مقر إحدى المجموعات المدعومة من شعبة المخابرات العسكرية في المحافظة، للإشراف على إنشاء مصنع صغير لإنتاج حبوب الكبتاغون، شمال مدينة السويداء”(9).

بيد أن المخدّرات ليست مخصّصة للسوق المحلية في المحافظة فحسب بل تمتد إلى الأردن عبر الحدود المشتركة، إذ تبلغ مسافة الحدود الأردنية التي تمر بمحاذاة القرى المأهولة في السويداء كخربة عواد والمغير وشنيرة والعانات، قرابة 30 كيلومتر. تقول وسائل إعلام إن كمية المخدرات التي دخلت الأردن عبر الحدود مع سوريا عام 2020 قُدرت بنحو 40 طناً من الحشيش وأكثر من 83 مليون حبة “كبتاغون”(10).

وقال العاهل الأردني إن “عمليات تهريب المخدرات والسلاح تستهدفنا كما تستهدف الأشقاء، فالتهريب يصل إلى دول شقيقة وأوروبية”(11) ، بينما أكد مدير الإعلام العسكري الأردني العقيد مصطفى الحياري، أن تنظيمات إيرانية خطيرة تستهدف الأمن الوطني في البلاد، مشيراً إلى أن القوات المسلحة تواجه حاليا “حرب مخدرات” على الحدود الشمالية الشرقية للمملكة الأردنية الهاشمية. وأن “التهريب ممنهج تقوده تنظيمات منظمة مدعومة من جهات خارجية”، مبيناً أن الفراغ الذي تتركه روسيا في الجنوب السوري تملؤه إيران من خلال ميليشياتها(12). وتشترك الأصوات داخل المحافظة والأردن في أن الفراغ الروسي وانحسار دورها هو المتسبب في تنامي ظاهرتي المخدرات والتهريب.

الأردن قلقة على أمن حدودها

تعزو الأردن التدخل الإيراني وتنامي دورها على الحدود الشمالية للمملكة إلى التفاهمات التي لم تنفذ بين موسكو وعمّان وواشنطن. فقد كانت كل من روسيا والولايات المتحدة والأردن قد توصلت في أواخر عام 2017، إلى تفاهمات تنص على إبعاد المليشيات الإيرانية عن الحدود الجنوبية لسورية مسافة 70 كيلومتراً، إلا أن هذه التفاهمات لم تنفذ، بل إن الوجود الإيراني ووجود “حزب الله” اللبناني ازداد منذ ذلك الحين، وهو ما حذّر منه العاهل الأردني(13). ففي تصريح  للملك عبد الله الثاني في حوار مع صحيفة “الرأي” الأردنية الرسمية نشر أواخر الشهر الماضي بلاده تواجه هجمات على حدودها وبصورة منتظمة من “ميليشيات لها علاقة بإيران”.وأضاف “لذا نأمل أن نرى تغيرا في سلوك إيران، ولا بد أن يتحقق ذلك على أرض الواقع لأن في ذلك مصلحة للجميع في المنطقة، بما في ذلك إيران والشعب الإيراني”.فرانس

وتقوم قوات حرس الحدود الأردنية بتمشيط المناطق الملاصقة للساتر الترابي وهو الحد الفاصل بين سوريا والأردن، بالأسلحة المتوسطة والقنابل المضيئة بشكل دائم وخاصة في أوقات تشكل الضباب في فصل الشتاء(14). ومع تكرار التصريحات الأردنية المحذرة من تزايد التمدد الإيراني في الجنوب السوري، وعلى الحدود مع الأردن، في ضوء الانشغال الروسي في أوكرانيا، تشير تقديرات إلى أن الخطاب الأردني يعكس استياء من سلوك النظام السوري في الجنوب، وعدم قدرته أو رغبته في منع نشاط المليشيات الإيرانية، التي ازداد عدد المواقع التابعة لها في درعا والسويداء منذ فبراير/شباط الماضي، بتسهيل وتعاون من “الفرقة الرابعة” التابعة للنظام، التي تشترك مع تلك المليشيات في عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية(15).

خاتمة

يعكس الاستياء المتواصل من تزايد النفوذ الإيراني في الجنوب السوري، خصوصاً في السويداء، احتمال تفجّر الأوضاع مجدداً بين الفصائل المحلّية المسلّحة، ذلك أن النفوذ الإيراني قائم فعلياً في المحافظة رغم محاولات تطويقه. ولعل قلق المجتمع الدرزي في السويداء من أن تتحول المواجهات المسلحة إلى فتنة مفتوحة تؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي للمحافظة وتفسح المجال لنفوذ النظام وإيران إلى داخل المحافظة بشكل أكثر رسوخاً، على ما تقوله أصواتٌ محلية.

غياب الروس عن مشهد الانتشار في الجنوب السوري، لا سيما في السويداء، زاد من قلق سكان المحافظة التي تخشى من تغوّل إيراني أوسع، على حساب غياب الروس، بالتالي ارتفاع منسوب الجريمة وفقدان الأمن خاصة في مسألة تفشي المخدّرات وتهريب الأسلحة وتكرّر حالات الخطف. كذلك ثمة قلق تبديه المملكة الهاشمية الأردنية فيما خصّ أمن حدودها وتحقق سيناريو سيطرة إيران على المناطق الحدودية وبالتالي تهديد أمن الأردن القومي.

(1)
(2)
(3)
(4)
(5)
(6)
(7)
(8)
(9)
(10)
(11)
(12)
(13)
(14)
(15)
قائمة بالمصادر المستخدمة في المادة