ذات صلة

هل يفتح التغيير السياسي في سوريا أبواب المخاطر على أوروبا؟

لقد ترك السقوط المفاجئ لنظام الأسد في سوريا في كانون الأول/ديسمبر 2024 العالم في حالة من الصدمة، مما قد يؤدي في الوقت ذاته إلى عدة تحديات خطيرة وحتى تهديدات أمنية للاتحاد الأوروبي في مجالات متعددة من السياسة، مثل سياسة اللجوء، الهجمات الإرهابية، وحتى صعود القوى اليمينية المتطرفة في بعض الدول الأعضاء، مثل ألمانيا. تركز هذه الورقة أولاً على جوانب التغيير في سوريا وآثاره على أوروبا، ثم تحلل الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ذلك، وأخيراً تشير إلى المعضلة الحالية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي فيما إذا كان يجب عليه استغلال الفرصة الاستراتيجية للتعامل بنشاط مع القضية السورية أو الاضطرار إلى مواجهة “صداع” آخر بعد “صدمة ترامب” الثانية التي ستحدث بعد 20 كانون الثاني/يناير 2025، عندما يؤدي الرئيس الأمريكي الجديد اليمين، رغم التحديات الداخلية المعقدة التي يتعين على الاتحاد الأوروبي التعامل معها في الوقت الحالي.

على مدار القرون الماضية، كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمثابة “ساحة” للتنافس بين القوى العظمى. وكانت سوريا والمنطقة تعد “القلب النابض للعالم العربي” بسبب موقعها الجغرافي المهم وتركيز التناقضات العرقية والطائفية. في كانون الأول/ديسمبر 2024، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد من قبل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، قالت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي/نائبة الرئيس كايا كالاس، وفقًا للموقع الرسمي لخدمة العمل الخارجي الأوروبي (EEAS)، إن “سقوط نظام الأسد يمثل بداية فصل جديد للشعب السوري والشرق الأوسط الأوسع”. لكن أوروبا، باعتبارها جارة مباشرة في الشرق الأوسط، لن تكون محصنة ضد هذا التغيير الكبير في النظام في سوريا، وقد تضطر حتى إلى مواجهة “كابوس” جديد.

مشكلة اللاجئين المزمنة متأخِّرات أوروبا:

في كانون الأول/ديسمبر 2024، ترك “التغيير المفاجئ للقلب النابض” في سوريا العالم في حالة من الصدمة. ومع ذلك، بالنسبة لأوروبا، تسبب تغيير النظام في سوريا في صداع كبير، حيث تواجه القارة تحديات كبيرة يصعب حلها في الأمد القريب، أبرزها كيفية التعامل مع طلبات اللجوء المستمرة وإعادة المهاجرين المقيمين في أوروبا أو ترحيلهم.

منذ اندلاع الربيع العربي في عام 2010، ظل الوضع في سوريا غير مستقر لفترة طويلة. وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في المملكة المتحدة، “على مدار أربعة عشر عامًا من الصراع والأزمة، قُتل أو جُرح مئات الآلاف من السوريين، وأُجبر أكثر من 13 مليون شخص على ترك منازلهم، أي نصف سكان سوريا قبل الحرب”، ومن بين هؤلاء، “تشرّد أكثر من 7 ملايين سوري داخل البلاد، بينما يعيش أكثر من 6 ملايين كلاجئين، لا سيما في البلدان المجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن، وكذلك في أوروبا ودول أخرى حول العالم”.

يقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات إنسانية كبيرة للسوريين، من خلال المديرية العامة للمفوضية الأوروبية للحماية المدنية الأوروبية وعمليات المساعدات الإنسانية (DG ECHO)، ويُنسق ذلك عبر الشركاء الإنسانيين مثل المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومكاتبها المحلية. ومع ذلك، لم تتمكن المساعدات الإنسانية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي من حل المشكلة من جذورها، ومن غير المحتمل أن توقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا. في عام 2015، شهدت أوروبا أسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، حيث كانت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا من أبرز الدول التي استقبلت اللاجئين. ومن بين حوالي 1.5 مليون لاجئ تدفقوا إلى أوروبا في ذلك العام، كان هناك عدد كبير من اللاجئين السوريين الذين دخلوا القارة عبر طرق غير قانونية.

سبب تفاقم هذه الأزمة هو أن التدفق الهائل للاجئين جلب ضغوطًا إنسانية ضخمة، بالإضافة إلى أعباء اقتصادية واجتماعية على أوروبا، مما تسبب في اضطرابات اجتماعية وتعديلات سياسية. بعد الأزمة الأخيرة، تواجه أوروبا الآن مشاكل جديدة وقديمة قد تنجم عن التغيير في النظام السوري. وفقًا للإحصائيات التي أوردتها دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون في فبراير/شباط 2024، بالإضافة إلى النرويج وسويسرا، وصل عدد طلبات اللجوء في أوروبا إلى أعلى مستوى له في سبع سنوات في عام 2023، حيث تقدم أكثر من 1.14 مليون شخص بطلبات حماية دولية، وكان معظمهم من السوريين. كما تقدم 181 ألف سوري بطلبات لجوء في عام 2023، بزيادة بنسبة 38% عن عام 2022. ومع تطور الوضع في سوريا في ديسمبر/كانون الأول 2024، بدأت بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا والنمسا وبلجيكا واليونان وإيطاليا والسويد والدنمارك، في التفكير في إعادة اللاجئين أو تقييد دخولهم، مما أثار مخاوف إنسانية، وانتقدته جماعات حقوق الإنسان الدولية مثل منظمة العفو الدولية.

كانت ألمانيا من أوائل الدول الأوروبية التي اتخذت إجراءات لتعليق طلبات اللجوء للسوريين. وباعتبارها أكبر دولة أوروبية من حيث عدد السوريين المقيمين، منحت ألمانيا منذ عام 2011 وضع اللاجئ لأكثر من 712 ألف سوري، ووفقًا للمكتب الإحصائي الفيدرالي الألماني، كان نحو 973 ألف سوري يعيشون في ألمانيا بنهاية عام 2023. من جهتها، تخطط النمسا لإعادة اللاجئين السوريين وترحيلهم، كما ستقدم “مكافأة عودة” قدرها 1000 يورو لأولئك الذين يرغبون في العودة إلى وطنهم.

في الواقع، تبدو عقلية الأوروبيين تجاه اللاجئين السوريين اليوم متناقضة ومحرجة. فبعض الدول ترى في “سقوط” نظام الأسد “فرصة ثمينة” لإعادة اللاجئين، بهدف تهدئة الغضب الشعبي الناتج عن صعود الشعبوية والأحزاب اليمينية المتطرفة. لكن المشكلة تكمن في أن الوضع في سوريا لا يزال “غير مستقر وغير مؤكد”. علاوة على ذلك، فإن نظام الأسد الذي تعرض “لانهيار مفاجئ” ليس العامل الوحيد الذي أدى إلى تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، إذ أن الفصائل المسلحة في سوريا ما زالت قائمة، ومن المرجح أن تشهد البلاد صراعات جديدة في الفترة القادمة، مما قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة اللاجئين. وبالتالي، إذا لم يتم حل جذور الفوضى الداخلية في سوريا، ستكون جهود أوروبا لإعادة اللاجئين إلى وطنهم صعبة للغاية.

على الرغم من اتخاذ بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إجراءات لتجميد طلبات اللجوء، إلا أنها لا تزال ملزمة بالقوانين الأوروبية الخاصة باللجوء. هذا يعني أن محاولات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتقييد طلبات اللجوء أو طرد اللاجئين ستكون محدودة الفعالية. في ظل التغيرات الحالية في سوريا، يصبح من المستحيل على أوروبا حل مشكلة تدفق اللاجئين والمهاجرين بشكل دائم عبر تجميد طلبات اللجوء أو إعادة المهاجرين أو حتى ترحيلهم.

اندلاع الهجمات الإرهابية: دفاعات أوروبا تفشل:

على مدى السنوات الأخيرة، شهدت أوروبا سلسلة من الهجمات الإرهابية الدامية، نفذ معظمها أفراد مرتبطون بتنظيمات متطرفة من الشرق الأوسط. في عام 2015، تدفق عدد كبير من اللاجئين إلى أوروبا، وكان أغلبهم من المسلمين. وفي نوفمبر من العام نفسه، تعرضت باريس لهجمات إرهابية أسفرت عن مقتل 130 شخصًا وإصابة 494 آخرين، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها. وأدان الرئيس الفرنسي آنذاك، فرانسوا هولاند، هذه الهجمات، واصفًا إياها بأنها “عمل حربي”.

منذ ذلك الحين، عززت دول مثل فرنسا، ألمانيا، والمملكة المتحدة جهودها لمكافحة الإرهاب، وشاركت في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الجماعات الإرهابية في سوريا. ومع ذلك، يبقى النشاط الإرهابي في سوريا يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن أوروبا، خاصة مع صعود جماعات مثل “هيئة تحرير الشام”، التي تمكنت من السيطرة على دمشق في ديسمبر 2024، مما أدى إلى سقوط النظام السوري في فترة زمنية قصيرة.

لا يقتصر خطر هذه الجماعات على سوريا فحسب، بل يمتد ليشمل الأمن الأوروبي أيضًا. إدراكًا لهذه التهديدات، أقر الاتحاد الأوروبي في 16 ديسمبر 2024 قرارًا لتعزيز مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، مشددًا على ضرورة التنسيق بين السياسة الخارجية والأمنية للدول الأعضاء، وتعزيز التعاون مع شركاء دوليين في هذا المجال.

رغم هذه الجهود، لا يزال الإرهاب يشكل خطرًا مستمرًا على أوروبا، كما ظهر في الهجوم الذي وقع في سوق عيد الميلاد بمدينة ماغديبورغ الألمانية في ديسمبر 2024، حيث نفذه رجل سعودي هاجر إلى ألمانيا قبل أزمة اللاجئين. ورغم أنه لم يكن من بين اللاجئين السوريين، إلا أن الحادثة سلطت الضوء على التهديدات المحتملة التي قد تأتي من مهاجرين سابقين.

تظهر هذه التطورات أن الإرهاب في أوروبا ليس فقط نتيجة للصراعات في الشرق الأوسط، بل هو أيضًا نتاج لعوامل داخلية مثل التوترات العرقية والدينية، التي تخلق حلقة من الخوف والانتقام، مما يزيد من تعقيد جهود مكافحة الإرهاب. لذلك، من الضروري أن تتبنى أوروبا استراتيجية شاملة تجمع بين الإجراءات الأمنية والتدابير الاجتماعية لمواجهة هذه الظاهرة بفعالية.

صعود اليمين المتطرّف: استقطاب متزايد في أوروبا:

في السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح تزايد ميل أوروبا نحو اليمين، وهو تطور ساهمت فيه عدة عوامل، من أبرزها أزمة اللاجئين التي استمرت لسنوات، وأثرت بشكل كبير على الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في القارة. هذه الأزمة ساعدت في صعود القوى الشعبوية اليمينية المتطرفة التي تعارض الهجرة.

ألمانيا تمثل مثالاً واضحاً على هذا التحول. ففي عام 2015، خلال أزمة اللاجئين، تبنت ألمانيا سياسة اللجوء “الباب المفتوح” تحت قيادة المستشارة أنجيلا ميركل، مما جعلها تستقبل أكبر عدد من اللاجئين من سوريا والشرق الأوسط مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي. هذا التدفق الكبير للاجئين أثار احتجاجات ضد سياسة اللجوء من بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما تعرضت ميركل نفسها للانتقادات. ومع زيادة أعداد اللاجئين من خلفيات دينية وعرقية متنوعة في بعض المدن، ظهرت أفكار اليمين المتطرف المناهضة للاجئين. في السنوات الأخيرة، أصبح صعود حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي له تأثير كبير في السياسة الألمانية.

السياسة التي تبنتها أنجيلا ميركل قد أسفرت عن تحول ألمانيا إلى “قاعدة جديدة” للاجئين الإسلاميين في أوروبا، بينما في الوقت نفسه أصبحت ألمانيا أيضاً “مصدراً جديداً” لمعاداة الإسلام، وهي مفارقة مثيرة.

أما على الصعيد السياسي الأوسع، فإن التغيرات التي حدثت في سوريا في ديسمبر 2024 والفوضى التي تبعتها، ستستمر في خلق تحديات كبيرة لأوروبا. وفقاً لجوليان بارنز ديسي، مدير برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن سقوط نظام الأسد قدم فرصة استراتيجية لأوروبا، بما في ذلك العودة الطوعية للعديد من اللاجئين السوريين، لكن الرد الأوروبي كان بطيئًا جدًا.

مع تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في يناير 2025، من المحتمل أن تواجه أوروبا “صدمة ترامب” الثانية، التي ستتمثل في سياسات “أمريكا أولاً” مثل التعريفات الجمركية والحروب التجارية، بالإضافة إلى تقاسم النفقات الدفاعية في حلف الناتو. هذا يعني أن التغيرات في سوريا وتأثيرها المباشر على أوروبا قد لا تكون في صدارة أولويات القادة الأوروبيين، خاصة في ظل التحديات الكبرى الأخرى مثل أزمة أوكرانيا، والشرخ الداخلي في الاتحاد الأوروبي، والضغوط المتزايدة من دول وسط وشرق أوروبا.

في هذه الفترة، سيكون الاتحاد الأوروبي أكثر تركيزًا على تعزيز موقعه في العلاقات عبر الأطلسي ومع الصين، ولن يرغب في أن يُهمش في لعبة القوى الكبرى. ومن المرجح أن تصبح الصراعات في الشرق الأوسط أكثر تعقيدًا، بينما يبقى تأثيرها الطويل الأمد على أوروبا والعالم غير واضح في الوقت الحالي.

تشاو جيزو:

دكتوراه، أستاذ مساعد، معهد الدراسات الأوروبية، الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية

ترجمة:

يوسف سامي مصري

رابط البحث

https://china-cee.eu/wp-content/uploads/2025/02/Working_paper-202511-ZHAO-Jizhou.pdf