ذات صلة

خطوات سياسية فعّالة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي

في يناير 2025، ستكون إيران في مواجهة خطر أكبر من أي وقت مضى منذ عام 1979، وذلك في وقت تعتبر فيه أيضاً أقرب من أي وقت مضى إلى امتلاك سلاح نووي. في الوقت نفسه، قد تكون إسرائيل على وشك تنفيذ ضربات عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني. ولتعزيز أمن المنطقة، يجب على إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، بالتنسيق مع إسرائيل والشركاء الإقليميين وأعضاء مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة)، استغلال الفرصة قبل نهاية صلاحية خيار “العودة السريعة” إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) في أواخر عام 2025. الهدف الأساسي هو تكثيف الضغوط العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية على إيران بهدف التوصل إلى اتفاقيات دبلوماسية جديدة تتجاوز اتفاق 2015، وفي حال فشل المساعي الدبلوماسية، يجب على الإدارة الأمريكية الاستعداد لاحتمال القيام بعمليات عسكرية لمواجهة التهديد النووي الإيراني.

عند عودته إلى المكتب البيضاوي، يواجه الرئيس ترامب إيران في وضع متناقض ومعقد. فالنظام الإيراني، رغم ضعف قوته العسكرية على الأرض وفقدانه للشرعية داخلياً، لم يكن أبداً في وضع أقرب من هذا للحصول على سلاح نووي. من جهة أخرى، يعكس ضعف إيران في المجال العسكري التقليدي، وعدم قدرتها على مواجهة الضغوط العسكرية الدولية، في المقابل زيادة ميلها إلى السعي لامتلاك الأسلحة النووية، التي تمنحها قدرات استراتيجية من شأنها تقوية مكانتها في مواجهة خصومها الإقليميين والدوليين.

من الناحية الإقليمية، فإن إيران تتحمل المسؤولية عن الهجوم الذي شنته حركة حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وهو الهجوم الذي كشف عن تصعيد كبير في الإستراتيجية الإيرانية المتمثلة في دعم وتمويل وتموين الفصائل المسلحة مثل حماس وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن، مما أدى إلى تصاعد الصراع الإقليمي وتوسيع دائرة المواجهات العسكرية. هذا الهجوم وغيره من الأعمال العدائية أسهم في زيادة تأجيج العداء ضد إسرائيل في المنطقة وعلى الصعيد العالمي، لكن في الوقت ذاته كان هناك تحول في الديناميكيات العسكرية، حيث بدأت إسرائيل وحلفاؤها الدوليون في تكثيف الضغوط على إيران ووكلائها الإقليميين.

رغم ما يبدو من نجاح تكتيكي في بعض المواجهات، تعرضت إيران لعدة إخفاقات عسكرية كان لها أثر عميق على قوتها الإقليمية. ففي أبريل 2024، وفي خطوة غير معتادة، قامت إيران بهجوم واسع النطاق باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية ضد إسرائيل، إلا أن هذا الهجوم تم التصدي له بنجاح من قبل تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة، مما أبرز الفجوة الكبيرة بين قدرات إيران التقليدية من جهة، وقدرات الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى. هذا الفشل دفع إلى زيادة العزلة الإيرانية على الساحة الإقليمية والدولية. على المستوى العسكري، تعرضت إيران لخسائر فادحة في قدرتها على الرد على الهجمات الإسرائيلية، مثلما حدث بعد مقتل الجنرال الإيراني محمد رضا زاهدي في أبريل 2024، وكذلك استهداف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في سبتمبر 2024، ما أدى إلى مزيد من تدمير للقدرات الإيرانية.

في المقابل، زادت الضغوط الاقتصادية الداخلية على إيران بشكل كبير، حيث كان عام 2023 عاماً حافلاً بزيادة صادرات النفط الإيرانية إلى مستويات غير مسبوقة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتخفيف الأزمة الاقتصادية العميقة التي تواجهها إيران. ففي حين تمكنت إيران من رفع صادراتها النفطية إلى ما يقرب من 2 مليون برميل يومياً، فإنها كانت تعتمد بشكل كبير على الصين في شراء هذا النفط، مما منح بكين نفوذاً هائلًا على طهران. كما أن عوائد النفط الإيرانية لم تساهم بشكل ملحوظ في تحسين الوضع الاقتصادي العام، بل كانت تتسرب إلى ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وعناصر أخرى بدلاً من خزينة الدولة.

أضف إلى ذلك أن إيران تواجه أزمة طاقة حادة بسبب سوء الإدارة وارتفاع الاستهلاك المحلي، ما يؤدي إلى نقص حاد في الغاز الطبيعي والكهرباء. هذه الأزمة تؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين الإيرانيين، مما يزيد من حدة الاحتجاجات الداخلية ويزيد من الضغط على النظام الإيراني الذي يعاني من تراجع شرعيته. وهذه الظروف تتجسد في انخفاض معدلات الإقبال على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والتي شهدت أدنى نسبة مشاركة منذ ثورة 1979، مما يعكس حالة الاستياء المتزايدة من سياسات النظام وتدهور وضعه الداخلي.

على المستوى النووي، تزداد المخاوف الدولية من تطور البرنامج النووي الإيراني في ظل التقارير التي تشير إلى تقليص التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فقد طردت إيران العديد من المفتشين النوويين، ورفضت تقديم تقارير كاملة عن الأنشطة النووية المشبوهة في مواقع معينة، كما أن تقديرات تشير إلى أن إيران قد تكون قادرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج أربع قنابل نووية في غضون أسبوعين فقط في محطة فوردو المخبأة تحت الأرض. هذه التحركات تزيد من الشكوك حول نوايا إيران النووية، مما يشكل تهديداً كبيراً على الأمن الإقليمي والدولي.

في هذا السياق، فإن تصاعد التوترات الإقليمية، إلى جانب التسارع في تقدم البرنامج النووي الإيراني، يزيد من تعقيد الوضع، مما يستدعي تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي وإرساء استقرار المنطقة عبر تحركات دبلوماسية قوية وضغط اقتصادي وعسكري محكم.

ملاحظات انتقالية لإدارة ترامب:

في ضوء التقدم المتسارع الذي حققته إيران في مجال إنتاج الأسلحة النووية، فإن الأمر يتطلب من المفتشين الدوليين أن يكونوا قادرين على تحديد بدقة ما إذا كانت إيران قد قامت بالكشف عن المواد والأنشطة النووية، أو إذا كان بإمكانهم اكتشاف محاولات اختراق البرنامج النووي الإيراني، أو حتى التقدم السريع الذي قد يسبق القدرة على الكشف عنه. في الوقت الحالي، يمكن لإيران أن تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب بدرجة كافية لإنتاج سلاح نووي في غضون أيام قليلة، ومن المحتمل أن تتمكن من إنتاج سلاح نووي قابل للاستخدام خلال ستة أشهر أو أقل، وهو جدول زمني يثير القلق بشكل كبير إذا نجحت إيران في إخفاء ذلك عن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأجهزة الاستخبارات الدولية.

ومع تقدم إيران في تقنيات إنتاج الأسلحة النووية، أصبح النقاش داخل إيران حول إمكانية صنع الأسلحة النووية أكثر صراحة وعلانية. إيران تسعى إلى استخدام “العتبة النووية” كأداة ضغط سياسي، حيث كانت طهران تهدد منذ فترة طويلة بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي رداً على أي تحركات سياسية من الغرب، بينما كانت تُصر على أن السعي للحصول على أسلحة نووية يتعارض مع الإسلام. ولكن في الآونة الأخيرة، تغيّر هذا الموقف بشكل واضح، حيث أكّد المسؤولون الإيرانيون الحاليون والسابقون أن إيران قادرة على بناء أسلحة نووية إذا اختارت ذلك. وفي مايو 2024، حذر مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي من أن النظام الإيراني قد يغيّر موقفه بشأن الأسلحة النووية إذا شعر بأن “وجود إيران” مهدد. كما صدرت تصريحات مشابهة عن مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك وزير الخارجية عباس عراقجي، الذي أشار في نوفمبر 2024 إلى أن نافذة الدبلوماسية باتت ضيقة، وأن إيران مستعدة للتعامل مع “أي سيناريو”.

على الجهة الأخرى، تتزايد النقاشات في إسرائيل حول إمكانية تنفيذ ضربات عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني. تتراوح حجج المؤيدين لهذه الضربات بين الرؤية الحذرة (التي تقول إنه لا توجد فرصة أفضل من هذه لتنفيذ الضربة) والطموحة (التي تفترض أن استهداف البرنامج النووي قد يؤدي إلى انهيار النظام الإيراني). من المؤكد أن أي ضربات إسرائيلية ضد إيران ستستلزم دعمًا عسكريًا من الولايات المتحدة، حيث تقدمت الإدارة الأمريكية في عدة مناسبات، مثل في أبريل وأكتوبر 2024، بتقديم دعم عسكري لإسرائيل في حال تنفيذها الضربات العسكرية ضد إيران.

ورغم الدعم الأميركي المحتمل لإسرائيل، لا يمكن استبعاد حدوث تصعيد كبير قد يؤدي إلى اشتباكات عسكرية واسعة النطاق في منطقة الخليج، مما قد يجر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران. ذلك لأن الهجوم الإيراني المضاد أو الهجمات ضد المصالح الأمريكية في المنطقة قد تؤدي إلى اندلاع حرب طويلة الأمد، وهو ما يخلق مشهدًا غير مؤكد بالنسبة للأمن الإقليمي والدولي.

هذا هو الوضع الذي يواجه الرئيس دونالد ترامب مع بدء ولايته الثانية في يناير 2025. إيران، على الرغم من تراجع قوتها العسكرية الداخلية وضعفها السياسي، أصبحت أقرب من أي وقت مضى إلى امتلاك الأسلحة النووية، وفي الوقت ذاته فإن إسرائيل، التي حصلت على دعم كبير من الولايات المتحدة، قد تكون على وشك اتخاذ خطوات عسكرية لوقف هذا التقدم النووي.

السياسة الأمريكية في عهد الرئيس بايدن:

عندما تولّى الرئيس جو بايدن منصب الرئيس في يناير 2021، كانت إيران تمثل إحدى القضايا الأكثر تعقيدًا في السياسة الخارجية الأمريكية. ومنذ البداية، سعى بايدن إلى إعادة صياغة السياسة الأميركية تجاه طهران على أساس العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة) الذي تم توقيعه في عام 2015. وكان هذا الاتفاق قد وقع بين إيران و6 دول كبرى (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، روسيا، الصين، وألمانيا) وكان يهدف إلى كبح النشاط النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

وفي أول خطاب له، شدد بايدن على أنه سيتبنى سياسة تهدف إلى “التصدي للأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار” في منطقة الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستعود إلى الاتفاق النووي كخطوة أولى نحو تعزيز وتوسيع بنود الاتفاق. هذه الخطوة كان الهدف منها معالجة المخاوف الأميركية من التقدم النووي الإيراني واحتواء تأثير طهران في المنطقة، بما في ذلك دعمها لميليشيات متحالفة معها في دول مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان.

ومع ذلك، لم تجد الإدارة الأميركية نفسها في موقف مريح عندما كانت تسعى إلى إحياء الاتفاق النووي، إذ كانت إيران قد تبنت موقفًا أكثر تشددًا مما كان عليه في عام 2015. رفضت طهران العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة كما هي، وأصرّت على ضرورة معالجة العيوب التي اعتبرتها موجودة في الاتفاق، مثل الحاجة إلى ضمانات أقوى ضد أي انسحاب أميركي مستقبلي من الاتفاق، وزيادة تخفيف العقوبات.

إيران كانت ترى أن الولايات المتحدة مسؤولة عن انهيار الاتفاق في عام 2018 عندما قرر الرئيس السابق دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق النووي، وأدى هذا القرار إلى فرض عقوبات اقتصادية شديدة على إيران، ما تسبب في تدهور وضعها الاقتصادي. وقد اعتبرت إيران أن التفاوض مجددًا يتطلب تعويضات عن تلك الفترة التي خضعت خلالها لظروف صعبة نتيجة انسحاب واشنطن من الاتفاق.

من جهتها، كانت الولايات المتحدة تشعر بأنها قد قدمت تنازلات كبيرة عندما توقعت أن تتخلى إيران عن بعض الإجراءات النووية التي كانت قد اتخذتها بعد انسحاب ترامب من الاتفاق. وعلاوة على ذلك، كانت الولايات المتحدة تصر على ضرورة أن تلتزم إيران بالاتفاق بشكل كامل في المستقبل، بما في ذلك تجميد تطوير برنامجها النووي تمامًا، والتزامها بمفاوضات دبلوماسية لاحقة، وهو ما لم توافق عليه طهران. كان هذا موقفًا حساسًا جدًا، لأن إيران كانت ترى أنه من غير الممكن الوثوق في أي التزام طويل الأمد من الولايات المتحدة، في ظل احتمال أن تقوم إدارة أميركية أخرى في المستقبل بالانسحاب مجددًا من الاتفاق.

في غضون ذلك، تعمقت العلاقات الإيرانية مع كل من روسيا والصين، ما منح إيران شعورًا بأن لديها دعمًا دوليًا يمكن أن يخفف من آثار العقوبات. وفي الوقت نفسه، أصبحت إيران أكثر قوة في التفاوض بفضل التقدم الذي أحرزته في برنامجها النووي، الذي أصبح في عام 2021 أكثر تقدمًا مما كان عليه في عام 2015، مما منحها مزيدًا من النفوذ في المفاوضات.

لكن على الجانب الأميركي، كان من المستحيل تقديم بعض التنازلات التي كانت تطلبها إيران. لم يكن بإمكان الإدارة الأميركية تقديم تعويضات عن الإيرادات المفقودة نتيجة للعقوبات بين عامي 2018 و2021، ولم يكن هناك أي ضمانات بأن أي تنازل قد يُقدَّم سيبقى ساريًا في ظل التغيرات السياسية في المستقبل في الولايات المتحدة. لذلك، لم يتمكن بايدن من تحقيق التوازن بين تقديم تنازلات لإيران دون التأثير على مصداقية السياسة الأميركية.

كما أن إدارة بايدن لم تكن راغبة في استخدام مزيد من الضغوط العسكرية أو الاقتصادية على إيران. فقد اعتقد بعض المسؤولين في الإدارة أنه يمكن تحقيق نتائج إيجابية من خلال الدبلوماسية وحدها دون اللجوء إلى تصعيد الموقف، ولكن هذه الاستراتيجية فشلت في تقييد تقدم إيران النووي أو في كبح أنشطتها الإقليمية. في ظل ذلك، تبنت الإدارة سياسة “خفض التصعيد مقابل خفض التصعيد”، حيث امتنعت عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران، في المقابل خفضت طهران بعض أنشطتها النووية، مثل خفض نسبة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%.

في الوقت نفسه، ظهرت تباينات كبيرة بين واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، وخاصة مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا)، التي كانت تشعر بقلق متزايد من تردد الولايات المتحدة في الضغط على إيران بشكل كافٍ. هذه الدول كانت تريد مواجهة أكثر صرامة ضد طهران بسبب تقدمها النووي المستمر وتحدياتها المستمرة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. في عدة مناسبات، ضغطت هذه الدول من أجل فرض إدانة أشد على إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن الولايات المتحدة كانت تميل إلى تجنب التصعيد في هذه المسائل.

علاوة على ذلك، زادت التوترات بسبب دعم إيران لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. من خلال تزويد روسيا بالطائرات بدون طيار والأسلحة الأخرى، اعتبرت الدول الأوروبية والولايات المتحدة هذا الدعم بمثابة تجاوز لحدود الاتفاقات الدولية وقدمت احتجاجات ضدها.

وفي خضم كل هذه التحديات، جاءت حادثة 7 أكتوبر 2023 عندما شهدت المنطقة تصاعدًا غير مسبوق في العنف، وتزامن ذلك مع الحرب الإقليمية التي اندلعت في أعقاب تلك الحادثة. هذا الهجوم دفع الولايات المتحدة إلى مراجعة استراتيجيتها بشكل كبير، فبدلاً من التركيز على تجنب التصعيد في المسائل النووية، أصبحت السياسة الأميركية أكثر تفاعلية، مركزة على محاولة تجنب تصعيد الصراع بين إيران وإسرائيل، والذي كان يهدد استقرار المنطقة بالكامل.

ومع هذه التطورات، أصبح من الواضح أن سياسة خفض التصعيد قد فشلت في منع تصاعد التوترات النووية والإقليمية، وكانت هذه الفترة فترة تحديات مستمرة أمام إدارة بايدن في التعامل مع إيران وملفها النووي والسياسي المعقد.

الطريق إلى الأمام لإدارة ترامب:

تتحدث الفقرة عن التحديات السياسية والاستراتيجية التي تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل في التعامل مع إيران، خاصة في ظل ضعف النظام الإيراني في بعض المجالات والتقدم الكبير الذي أحرزته في مجال تطوير الأسلحة النووية. في هذا السياق، تنشأ مجموعة من الأسئلة حول كيفية مواجهة التهديد الإيراني. وعلى الرغم من أن هناك من يعتقد أن هناك حاجة وفرصة للتحرك بشكل حاسم لمواجهة التهديدات التي يشكلها النظام الإيراني، فإن هناك غموضًا بشأن الأساليب التي يجب اتباعها لتحقيق هذا الهدف، سواء من خلال العمل العسكري أو الوسائل الدبلوماسية.

إيران واستراتيجيتها النووية والردعية:

النظام الإيراني يسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية كجزء من استراتيجيته الأمنية التي تعتمد على الردع، والتي تسمى “الدفاع الأمامي”. وتُعد هذه الاستراتيجية جزءاً من أيديولوجية أوسع تتضمن استخدام أدوات قوة غير تقليدية، مثل الجماعات المسلحة والوكلاء في المنطقة، للضغط على خصوم إيران وتهديدهم. فلا يعتمد النظام الإيراني على القوة العسكرية التقليدية أو على بناء تحالفات مع الدول الكبرى، بل يعتمد بشكل رئيسي على دعم وتوجيه الحركات والميليشيات الإقليمية التي تتماشى مع مصالحه.

إيران تدير العديد من الوكلاء في دول مثل لبنان (حزب الله)، واليمن (الحوثيون)، والعراق، حيث تسعى إلى زعزعة الاستقرار في هذه البلدان لصالح أجندتها. هذه الاستراتيجية تهدف إلى إبقاء خصومها في حالة ضعف عبر خلق تهديدات دائمة بالقرب من حدودهم. وهذا يعكس رفضًا إيرانيًا للسياسات التقليدية للدفاع والاستعراض العسكري، كما يعكس انحرافًا عن مفاهيم السيادة الوطنية التي تحد من تدخلات القوى الخارجية.

الأسلحة النووية كوسيلة للردع:

إيران تسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية لتدعيم استراتيجيتها الدفاعية، مما يمنحها القدرة على الردع ضد أي هجوم محتمل. تمتلك إيران قوة نارية من خلال وكلائها الإقليميين، ولكنها تدرك أن القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل قد لا ترد بنفس الطريقة على الهجمات التي تشنها الوكلاء. لذلك، ترى إيران أن امتلاك الأسلحة النووية هو الوسيلة الأكثر فعالية لحماية نظامها من الهجمات العسكرية المباشرة، خاصة في ظل التهديدات المستمرة من قبل خصومها في المنطقة.

أي ضربة مباشرة ضد إيران قد تثير ردودًا عسكرية قاسية من قبل وكلائها، مثل الهجمات الصاروخية من حزب الله على إسرائيل أو الهجمات ضد المصالح الأمريكية في الخليج العربي. في حال حصول إيران على الأسلحة النووية، فإنها ستعزز قدرتها على الردع بشكل كبير، مما يجعل أي مواجهة معها أكثر تعقيدًا وخطورة على المستوى الإقليمي والدولي.

تغيير النظام الإيراني كهدف أميركي:

على الرغم من أن هناك توافقًا على ضرورة اتخاذ إجراءات ضد إيران، فإن الطريقة التي يجب أن يتم بها ذلك تظل موضوعًا مثارًا للجدل. يعتقد العديد من المسؤولين في الولايات المتحدة وإسرائيل أنه يجب تغيير النظام الإيراني لتحقيق تحول استراتيجي في سياسات إيران النووية والإقليمية. ولكن تكمن الصعوبة في كيفية تحقيق هذا الهدف. التغيير السياسي الداخلي في إيران يتطلب دعمًا قويًا من الشعب الإيراني نفسه، وهو أمر يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين.

التجارب السابقة للولايات المتحدة في تغيير الأنظمة، مثلما حدث في العراق وأفغانستان، تبرز التحديات الكبيرة التي يمكن أن تنشأ عند محاولة تغيير الأنظمة الحاكمة في دول أخرى. كما أن هناك قلقًا من أن أي محاولة لتغيير النظام في إيران قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع بشكل غير متوقع، خاصة في ظل التأثير الكبير للمجموعات المدعومة من إيران على الوضع الإقليمي.

الخيارات الدبلوماسية والعسكرية:

تشير الفقرة إلى أن الدبلوماسية قد تكون الخيار الأكثر تكلفة والأقل تصعيدًا، ولكن هناك مخاوف من أن تستخدم إيران الدبلوماسية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، مما يعزز من موقف النظام. بدلاً من التفاوض على الاتفاقيات التي قد تمنح إيران فرصة لتعزيز موقفها العسكري والنووي، قد يكون من الأفضل أن تتبنى الولايات المتحدة سياسة تشمل الضغط العسكري المتزايد إلى جانب الضغط الدبلوماسي والاقتصادي، بهدف الحصول على اتفاق نووي أفضل من الاتفاق النووي السابق.

الخيار العسكري:

من ناحية أخرى، فإن الضغوط العسكرية، رغم أنها قد تكون مكلفة وصعبة من الناحية السياسية، قد أثبتت فعالية أكبر في تعطيل البرامج النووية مقارنة بالجهود الدبلوماسية. ضربات جوية على المنشآت النووية في العراق عام 1981 وسوريا في 2007 أوقفت مساعي هاتين الدولتين لتطوير أسلحة نووية. ولكن رغم هذه النجاحات، فإن الضغوط العسكرية قد تؤدي إلى تصعيد واسع النطاق في المنطقة، مما قد يزيد من خطورة الوضع الأمني في الشرق الأوسط.

إسرائيل قد تكون أول من يقرر شن ضربات ضد إيران إذا استمرت الأخيرة في تطوير برنامجها النووي. لكن من غير المحتمل أن تتخذ إسرائيل مثل هذه الخطوة دون دعم كبير من الولايات المتحدة. قد تحتاج إسرائيل إلى الدعم العسكري الأميركي لتوجيه ضربات فعالة ضد المنشآت النووية الإيرانية، خاصة بالنظر إلى التحديات اللوجستية والسياسية التي قد تواجهها في حال قررت اتخاذ هذا القرار بمفردها.

التوازن بين الدبلوماسية والضغط العسكري:

الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة هو إيجاد توازن بين الضغط العسكري والدبلوماسية. على الرغم من أن الضغوط العسكرية قد تكون أكثر فعالية في وقف برامج الأسلحة النووية، فإن استخدام الوسائل الدبلوماسية يمكن أن يفتح الطريق أمام تعاون دولي أكبر ويساهم في الحد من المخاطر طويلة الأجل. يُمكن دمج كلا الخيارين بحيث يعمل كل منهما بشكل تكاملي لتحقيق أفضل النتائج وأقلها تكلفة.

استراتيجية ترامب تجاه إيران:

من ناحية أخرى، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أشار في تصريحات سابقة إلى أنه لا يرغب في الانخراط بشكل كامل في عمليات عسكرية مكثفة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يرى النص أن إدارة ترامب ينبغي أن تكون مستعدة للتحضير لأية ضغوط عسكرية محتملة ضد إيران، مع الاستمرار في ممارسة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي للوصول إلى اتفاق نووي أفضل من خطة العمل الشاملة المشتركة.

الاستنتاج:
الاستراتيجية الأميركية في مواجهة إيران يجب أن تكون متعددة الأبعاد وتشمل الضغط الدبلوماسي والاقتصادي إلى جانب استعدادات عسكرية في حال فشل الدبلوماسية. ومن المهم أن تكون جميع الخيارات مفتوحة، وأن تتخذ الولايات المتحدة خطوات لتحضير نفسها لمواجهة التحديات الأمنية التي قد تنشأ إذا استمرت إيران في مسارها النووي.

المسار الأول: الضغط

إدارة ترامب أمام فرصة للاستفادة من الحملة الدبلوماسية التي يقودها الاتحاد الأوروبي ضد إيران، إلى جانب الحملة العسكرية الإسرائيلية، مع إضافة تدابير اقتصادية لزيادة الضغط على النظام الإيراني في وقت قصير.

من خلال الضغط الدبلوماسي في نوفمبر 2024، أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارًا ينتقد إيران، حيث طلب من الوكالة إعداد “تقرير شامل” حول استخدام مواد نووية غير معلنة في البرنامج النووي الإيراني. يمكن لهذا التقرير أن يكون أساسًا لإحالة إيران إلى مجلس الأمن الدولي. إذا تم إحالة القضية، يمكن أن تبدأ بريطانيا أو فرنسا في عملية إعادة فرض العقوبات ضد إيران لمدة 60 يومًا، بدءًا من يوليو 2025، قبل تولي روسيا رئاسة مجلس الأمن في أكتوبر.

ومن خلال العقوبات والضغط الاقتصادي، حيث ان إعادة فرض العقوبات ستزيد من الضغط الاقتصادي على إيران، مما يؤثر على قدرتها على تطوير برنامجها النووي. بالتوازي، يمكن أن تزيد العقوبات من العزلة الدولية للنظام الإيراني وتزيد من معاناة الشعب الإيراني، ما يعزز المعارضة الداخلية.

الحملة العسكرية الإسرائيلية، أي أن إسرائيل قد تواصل ضرباتها ضد المنشآت النووية الإيرانية، مما يعزز الضغط العسكري على طهران. قد يتطلب ذلك دعمًا أميركيًا لتجنب التصعيد، خاصة إذا ردت إيران على المصالح الأميركية في المنطقة.

الضغوط الاقتصادية:

إيران حالياً تصدّر حوالي 2 مليون برميل من النفط يومياً، مقارنة بأقل من 400 ألف برميل في عام 2020. وتستحوذ مصافي “إبريق الشاي” الصغيرة في الصين على الجزء الأكبر من هذه الصادرات، بينما تقوم المصافي الصينية الكبرى – التي تواجه مزيداً من العقوبات الغربية – بشراء النفط الخام من روسيا ومصادر أخرى. ورغم صعوبة التأثير على مصافي “إبريق الشاي” من خلال العقوبات، إلا أن هذه المبيعات تشمل شبكة معقدة من الأطراف التي قد تكون أكثر تأثراً بالعقوبات، مثل دول مثل ماليزيا التي تقوم بنقل النفط لإخفاء مصدره، بالإضافة إلى أسطول الظل من الناقلات التي تستخدم لنقل النفط، والشركات والبنوك الواجهة التي تشارك في بيع النفط وإعادة العائدات إلى إيران. من المحتمل أن تتمكن إدارة ترامب من تقليص مبيعات النفط الإيراني بسرعة عن طريق إرسال إشارات قوية مبكرة عن نيتها في ملاحقة أي كيانات متورطة في هذه التجارة. وعلى الرغم من أن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين قد يبدو معقداً لهذه المهمة، قد ترى بكين في الواقع أن تقليص شراء النفط من إيران يمكن أن يكون بمثابة خطوة رمزية منخفضة التكلفة للرئيس ترامب. هذه هي حقيقة ما يُسمى غالباً بـ “محور” إيران والصين. من جهة أخرى، زيادة إنتاج النفط الأمريكي، كما تشير التقارير عن خطط إدارة ترامب، قد يساعد في خفض العائدات الإيرانية عبر خفض أسعار النفط.

فيما يخص الضغوط العسكرية، فإن إيران تحت ضغط هائل بالفعل نتيجة للضربات الإسرائيلية في أكتوبر 2024، التي أفادت التقارير أنها أدت إلى تدهور دفاعاتها الجوية وكثير من قدراتها الصاروخية الهجومية. ومن المرجح أن يزداد هذا الضغط مع تزايد النقاشات حول الضربات العسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني. على إدارة ترامب أن تزيد من هذا الضغط، موضحة استعدادها لاستخدام القوة بدلاً من مجرد دعم إسرائيل. يمكن تحقيق ذلك عبر ثلاث خطوات: أولاً، يجب على الرئيس ترامب الإعلان عن نيته في مواصلة سياسة الرئيس بايدن في زيادة الدعم العسكري للمنطقة لدعم إسرائيل، مع تأكيد هذا الإعلان عبر توفير المواد العسكرية والتدريب اللازم للضربات العسكرية وإجراء مناورات مشتركة مع القوات الدفاعية الإسرائيلية؛ ثانياً، يجب أن يعيد التأكيد على سياسته التي تبناها في ولايته الأولى، والتي تقتضي برد سريع ومؤلم على أي هجوم ضد أفراد أو مصالح الولايات المتحدة، بما في ذلك من قبل الوكلاء الإيرانيين مثل الحوثيين؛ ثالثاً، يجب على ترامب أن يطلب من الكونغرس إذنًا لاستخدام القوة العسكرية بشكل مباشر ضد إيران، وهي خطوة حاسمة للقيام بضربات عسكرية في حال فشلت الدبلوماسية.

المسار الثاني: الدبلوماسية

من شأن الحملة الضاغطة الموضحة أعلاه أن تدعم الدبلوماسية الرامية إلى إجبار النظام الإيراني على إجراء تغييرات كبيرة في سياساته. أحد أبرز عيوب خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 هو أنها تناولت الأنشطة النووية الإيرانية فقط، وكان ذلك بشكل جزئي ومؤقت. ولذلك، أي تفاهم دبلوماسي جديد يجب أن ينهي بشكل شامل سعي إيران للحصول على الأسلحة النووية، مع معالجة أنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة أن يتم تناول القضايا بشكل موحد في نفس الاتفاق.

النووي

في التفاوض على اتفاق نووي مع إيران، يجب على إدارة ترامب أن تأخذ في اعتبارها العيوب الرئيسية في خطة العمل الشاملة المشتركة، كما هو مبيّن في النقاط التالية. يتعين عليها التعاون الوثيق مع الدول الأوروبية الثلاث، والتشاور مع حلفائها الإقليميين، مع تجنب إطار مجموعة الدول الخمس زائد واحد الذي أتاح لروسيا والصين تأخير وتخفيف العقوبات مقابل دعمهما في مجلس الأمن الدولي.

الإقليمي

عيب آخر تمّ الإشارة إليه كثيراً في خطة العمل الشاملة المشتركة هو أنها كانت صفقة “نووية فقط” ولم تعالج القضايا الإقليمية. في حين أن سعي إيران للحصول على الأسلحة النووية يشكل التهديد الأكثر أهمية للولايات المتحدة، فإن سياساتها الإقليمية الأخرى، مثل دعم الإرهاب، ونقل الصواريخ والطائرات بدون طيار المتقدمة، تهدد أيضاً مصالح الولايات المتحدة وأمن شركائها في المنطقة.
من المهم أن نلاحظ أن سعي إيران نحو الأسلحة النووية وأنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار يشكلان جزءاً من استراتيجية موحدة، كما تمّ شرحه سابقاً. إذا كانت إيران مستعدة للتنازل عن أحد هذين الجانبين ولكن ليس الآخر، فيجب على واشنطن أن تعتبر ذلك بمثابة إشارة إلى أن النظام الإيراني غير راغب في تغيير استراتيجيته بشكل جذري، وأن أي تسوية يتم تقديمها ستكون تكتيكية على الأرجح وغير دائمة.

الحذر من الصفقة الكبرى

على الرغم من ذلك، ينبغي لإدارة ترامب أن تكون حذرة في متابعة ما يُسمى “الصفقة الكبرى” مع إيران التي تتناول القضايا النووية والإقليمية معاً، وذلك لثلاثة أسباب رئيسية:

  1. قد يُنقل عن غير قصد أن الولايات المتحدة تعتبر إيران شريكاً حقيقياً في معالجة القضايا الإقليمية.
  2. قد لا ترى إيران التهديد الأمريكي بالانسحاب من صفقة كبرى بسبب الانتهاكات المتعلقة بالأنشطة الإقليمية تهديداً ذا مصداقية، بالنظر إلى أن واشنطن قد أعطت الأولوية للقضايا النووية ورغبتها في التركيز على قضايا أخرى.
  3. هذا النهج قد لا يؤدي فقط إلى تهميش الشركاء الإقليميين، بل قد يعفيهم من أيّ مسؤولية تتعلق بمحاسبة إيران على سلوكها في المنطقة. كما أنه قد يقيّد الولايات المتحدة بنفس القدر الذي يقيّد إيران، ويجب على واشنطن أن تحافظ على حرّيتها في التصرف ضد جماعات مثل حماس، والحوثيين، والمسلحين الشيعة في العراق.

مشاركة الشركاء الإقليميين


الولايات المتحدة لا تريد التخلي عن سياستها تجاه إيران، بل يجب عليها أن تطلب من شركائها الرئيسيين في الخليج، مثل الرياض وأبو ظبي، أن يقودوا المفاوضات بشأن القضايا الإقليمية مع إيران. الهدف من ذلك ليس “تقاسم” المنطقة كما نصح الرئيس باراك أوباما، بل لضمان تعهدات من إيران بإنهاء سلوكها المزعزع للاستقرار. من بين الطرق الممكنة لإطار هذا الاتفاق، هو وضع معايير سلوكية لتحقيق الاستقرار في المنطقة بعد سنوات من الصراع المتوتر. هذه المعايير، على عكس السياسات الإيرانية الحالية، يجب أن تشمل (ولكن لا تقتصر على):

  • الامتناع عن دعم الفاعلين غير الحكوميين؛
  • الامتناع عن نشر الطائرات بدون طيار والصواريخ والتقنيات الأخرى الخطيرة؛
  • احترام سيادة الدول الإقليمية وحرمة أراضيها؛
  • الامتناع عن استضافة القوات العسكرية الروسية والصينية؛
  • الامتناع عن السعي إلى تدمير أي دولة إقليمية، سواء شاركت في المفاوضات أم لا.

يجب على الولايات المتحدة أن توضح لطهران أن استمرار التزامها بأي اتفاق نووي يعتمد على امتثال إيران لمثل هذا الاتفاق الإقليمي. هذا يشكل أجندة طموحة للأشهر التسعة الأولى من عام 2025، ولكن الالتزام بمواعيد نهائية ثابتة، مهما كانت صعبة على المسؤولين الأميركيين، سيعزز النفوذ الأمريكي في المحادثات إذا رأت إيران أن التهديد بالانسحاب والسعي إلى بديل عسكري له مصداقية.

الضربات الإسرائيلية الاستباقية:

حتى في حال اتبعت إدارة ترامب المسار المتفق عليه مع إسرائيل، سيكون من الضروري التخطيط لاحتمالية تحرّك إسرائيل بشكل أسرع لتنفيذ الضربات العسكرية، أو أن يؤدي تصاعد آخر في الصراع بين إيران وإسرائيل إلى تسريع تلك الضربات. يتطلب هذا التخطيط ليس فقط للضربات نفسها، بما في ذلك أي دعم أمريكي ضروري لإسرائيل، بل أيضاً النظر في الخطوات التالية. عقب الضربة الإسرائيلية، سيكون على الولايات المتحدة تقييم مدى تراجع البرنامج النووي الإيراني، خاصة في غياب مفتشي الأمم المتحدة، الذين قد يغادرون أو يتم طردهم، خاصة إذا قررت إيران الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي كما هددت. وإذا فشلت الضربات الإسرائيلية في تدمير قدرة إيران على تحقيق اختراق نووي، سيكون من الضروري وضع استراتيجية جديدة لمعالجة قدراتها النووية المتبقية، سواء من خلال الدبلوماسية أو من خلال تنفيذ ضربات عسكرية إضافية.

الاختراق الإيراني السري:

نظراً للتقدم الكبير في البرنامج النووي الإيراني وتدهور نظام التفتيش والمراقبة التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد تتلقى إدارة ترامب معلومات تشير إلى محاولة إيرانية لاختراق مثل تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪. للتحضير لهذا السيناريو، يجب على الولايات المتحدة أن تواصل استثمار موارد استخباراتية كافية لمراقبة الأنشطة النووية الإيرانية. كما يجب تطوير إرشادات مشتركة مع إسرائيل وحلفاء آخرين حول ما قد يشير إلى محاولة إيرانية نشطة للاختراق، مع تحديد توقيت وطبيعة الاستجابة المشتركة لهذه المحاولات. بما أن إيران قادرة على تطوير جهاز نووي بدائي في وقت قصير نسبيًا، فإن هذا العمل يجب أن يتم بشكل استباقي بدلاً من انتظار المؤشرات الأولية التي قد تشير إلى نجاحها في تطوير سلاح نووي، وهو ما قد يكون مربكاً ويثير الجدل في جميع الأحوال.

الاحتواء:

يشكل الاحتواء بديلاً عن الدبلوماسية والضربات العسكرية، وهو السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة بشكل متقطع على مدار ثلاثة عقود. في هذا السيناريو، تسعى الولايات المتحدة إلى مواجهة الأنشطة الإقليمية الإيرانية وردعها، بينما تعمل على منع تقدم إيران النووي من خلال العقوبات الاقتصادية، وضوابط التصدير، والتهديدات العسكرية، على أمل أن تتمكن هذه التدابير من إعاقة إيران لفترة كافية حتى يتغير النظام السياسي هناك. ورغم أن هذه السياسة نجحت في منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية حتى الآن، فإنها لا تضمن استمراريتها في المستقبل في ظل تقدم البرنامج النووي الإيراني. كما أنها لم تنجح في التصدي بشكل فعّال للأنشطة الإقليمية الإيرانية. مرور الوقت قد يؤدي أيضاً إلى تعقيد الوضع، فمثلاً قد يؤدي تعميق التعاون العسكري بين إيران وروسيا أو الصين إلى زيادة المخاطر التي تهدد أي عمل عسكري أمريكي أو إسرائيلي. متابعة هذه السياسة قد تعني أيضاً فقدان فرصة الاستفادة من ضعف إيران الحالي.

دبلوماسية “فرصة التقاط الصور”:

قد تأمل إيران في التسلل من مأزقها الحالي ببساطة عن طريق استرضاء الرئيس ترامب، عبر تقديم “أولويات” تاريخية مثل القمم الرئاسية، إلى جانب تصريحات غامضة بعدم العداوة وتعهدات بالتفاوض لاحقاً على صفقة أقوى من خطة العمل الشاملة المشتركة. ستسعى طهران إلى هذه المناورة بشكل مباشر بهدف إرجاء الحلول، والنجاة في لحظة ضعف، وربما تجنب إعادة فرض العقوبات أيضاً. رغم أن هذا السيناريو قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، إلا أنه يعد غير مرجح إلى حد بعيد، لأنه يتطلب موافقة إسرائيل، ويُحتمل أن يكون الخيار الأكثر ترجيحاً هو تراجع إيران عن معاداة أمريكا، وهو ما يتناقض مع جوهر أيديولوجية النظام الإيراني.

مايكل سينغ

ترجمة يوسف سامي مصري

رابط البحث

https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/policy-steps-prevent-nuclear-iran