ذات صلة

إسرائيل والاتجاهات الناشئة في سوريا

يتشكّل الواقع الإقليمي من مزيج من الذاكرة التاريخية، والأحلام الدينية والوطنية، ولا يسير وفق نمط ثابت أو خطّي. تسعى دول المنطقة إلى لعب دور فعال على الساحة الدولية، بينما تجد إسرائيل نفسها مجبرة على اعتماد استراتيجية أكثر مرونة للتكامل في الفضاء الإقليمي بدلاً من الانحصار في التقارب الداخلي. لقد أظهرت الأحداث في سوريا مجددًا أن سياسة “الفيلا في الغابة”، أي العزلة عن البيئة الخارجية، لم تعد تصب في مصلحة إسرائيل.

كان انهيار نظام الأسد في سوريا بمثابة إشعار بتحولات أوسع في الصراعات الإقليمية. ورغم أن غالبية الإسرائيليين لم يتوقعوا ذلك، فإن يحيى السنوار كان قد راهن على أن ما حدث لنظام الأسد وجيشه، الذي تهاوى خلال عشرة أيام فقط، يمكن أن يحدث لإسرائيل نتيجة ضربة مماثلة لما وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تزال تواجه تحديات معقدة وغير متوقعة، فإن الواقع الجديد الذي تعيشه لا يزال يكتنفه حالة من عدم اليقين، إلا أن هناك أملًا في الأفق.

أما التفكك السريع للنظام السوري فكان مرتبطًا برفض الجنود السوريين التضحية من أجل نظام الأسد الذي أصبح معاديًا ومنعزلًا عن غالبية الشعب السوري. وهذا العامل لعب دورًا مهمًا في انهيار النظام بسرعة. ولعل الإسرائيليين يجب أن يتفهموا أنه ما كان لهذا أن يحدث معهم في صباح السابع من أكتوبر. فقد كانت لدى مخططي حرب حماس أسباب معقولة للاعتقاد بأن الجيش الإسرائيلي، الذي تلقى ضربة مفاجئة مصحوبة بكل عناصر الضغط الداخلي والخارجي في محور “حلقة النار” الإيراني، كان سيصطدم بفقدان توازن يؤدي إلى انهياره. ورغم أن الصراعات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي قد بدت كمؤشر على ضعفها، فقد ظن أعداء إسرائيل أن الحرب الطويلة الأمد ستؤدي إلى انهيارها. ولكن ما أذهلهم كان القوة الكامنة التي أظهرها الجيش والمجتمع الإسرائيلي.

وفي أحد المعاهد البحثية العربية، كتب باحثون مصريون وسوريون: “علينا إعادة النظر في الافتراضات التي تقول إن إسرائيل لا تستطيع الصمود في حرب طويلة الأمد… لم يكن الموقف الثابت لإسرائيل خلال العام الماضي ما توقعه أعداؤها… لقد توقعوا أن إسرائيل لن تصمد، وأن الضغوط الداخلية والخارجية ستجبرها على الانهيار”.

اندلاع مفاجئ في سوريا:

الدرس الأساسي الذي يمكن استخلاصه من الهجوم المفاجئ على النظام السوري من قبل المتمرّدين في سوريا يرتبط بفهم عميق للمنطق الاستراتيجي الذي يحرّك منطقة الشرق الأوسط. وما يرفض الكثيرون في الغرب الاعتراف به هو أن المنطقة عبارة عن نظام بيئي غير مستقر ومتحرك باستمرار. فالتغييرات الصغيرة، مثل زيادة تربية الماشية، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على النظام البيئي، مثلما أن أي تغيير في قوى معينة داخل الشرق الأوسط يؤدي إلى تغييرات كبيرة في بقية المنطقة، ما يخرج النظام بأكمله عن التوازن.

نظام الشرق الأوسط يختلف تمامًا عن نموذج النظام السككي المعد للهندسة الخطية المستقرة. في السكك الحديدية، يتم التخطيط لضمان الاستقرار. أما في النظام البيئي، فالثبات نتيجة توازن مؤقت، وحساس لأي تغيير. الشرق الأوسط يعمل وفقًا لمنطق النظام البيئي، أي أن أي تغيير في قوى منطقة ما، مثل تقليص قوة حزب الله في لبنان، يخلق تأثيرًا متسلسلًا في مناطق أخرى ويؤدي إلى اضطراب توازن المنطقة.

إن الثقافة الغربية التي تطمح إلى فرض استقرار دائم في المنطقة تجد صعوبة في تقبل حقيقة أن الشرق الأوسط، الذي يضم كيانات عشائرية وقبائل ومنظمات إرهابية، يعمل وفقًا لديناميكيات نظام بيئي دائم التغير. الحروب الإسرائيلية ضد حزب الله وحماس خلقت ظروفًا جديدة، فاستغل المتمرّدون السُنّة في سوريا هذه الفرصة للهجوم على جيش الأسد والميليشيات الإيرانية، وأطاحوا بنظامه في أقل من أسبوعين.

البحث المستمر من قبل الفاعلين الإقليميين عن فرص قتالية جديدة ينبع من تصورهم للحروب على أنها فترات مؤقتة من الهدوء، وليس سلامًا مستدامًا. وعندما تتغير الظروف الإقليمية، يعاد النظر في كل شيء. بينما يحاول الغربيون فرض وجهات نظرهم، يظل الطرف الآخر متمسكًا بأحلامه الدينية والوطنية، حيث لا يمكن التفاوض بشأن هذه الأحلام ولا نسيانها.

الأتراك، على سبيل المثال، يطمحون إلى استعادة الإمبراطورية العثمانية، وقد كانت حلب في الماضي ذات دور اقتصادي وثقافي مهم بالنسبة لهم. هذا الطموح التاريخي ليس مجرد حنين إلى الماضي، بل هو جزء من صراعات دينية ووطنية لا تزال تمثل دافعًا رئيسيًا في المنطقة. حتى إيران تسعى إلى العودة إلى عهد الإمبراطورية الفارسية.

في هذا السياق، يبقى الشرق الأوسط منطقة تحت تأثير الطموحات الدينية والوطنية التي لا تتلاشى، بل تنتظر الفرصة المناسبة للظهور. ومن الضروري أن يتفهم الأمريكيون الذين يسعون إلى تحقيق استقرار إقليمي أن الشرق الأوسط يشبه بيئة مليئة بالأعاصير التي تنفجر دون سابق إنذار. رغم أن القدرات المتاحة قد تساهم في تأجيل الصراعات، إلا أن أي ترتيب يبدو مستقرًا قد يكون حساسًا للتغييرات المفاجئة التي قد تطرأ.

ملاحظة تكتيكية:

الهجوم الذي شنّه المتمرّدون في سوريا يقدم درسًا تكتيكيًا بالغ الأهمية فيما يتعلق بأساليب الحرب الحديثة، والتي تتميز بالحركة السريعة والمرونة. فقد شهدنا في السابع من أكتوبر/تشرين الأول اندلاع عمليات عسكرية مفاجئة باستخدام مركبات مدنية، مثل الدراجات النارية وسيارات الدفع الرباعي والشاحنات الصغيرة، التي تنقلت بسرعة وبتكتيك مفاجئ، وهو ما يعكس التوجهات الحديثة في الحروب غير التقليدية.

هذا التكتيك السريع، الذي يعتمد على السرعة والمفاجأة، يفرض تحديات كبيرة على الجيوش النظامية التقليدية. ففي هذه الحروب، لا يقتصر القتال على الجيوش المدربة والمنظمة فقط، بل يمتد إلى جماعات صغيرة تتنقل بسرعة، مما يجعل من الصعب تحديد مواقعها أو التنبؤ بتحركاتها. على سبيل المثال، إذا تم التفكير في إمكانية إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، فإن منع الفلسطينيين من امتلاك وسائل النقل السريعة مثل الدراجات النارية وسيارات الدفع الرباعي سيكون أمرًا غير عملي. هذه الوسائل تمنح المجموعات العسكرية الصغيرة قدرة على المناورة والهجوم السريع.

عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي في سوريا:

الهجوم الذي شنّه المتمرّدون في سوريا يعكس الدرس الأهم في حدود المعرفة البشرية والتوقعات، فقد شكلت الأحداث مفاجأة حتى لأفضل خبراء الاستخبارات، حيث اجتاحت الفوضى النظام السوري بسرعة غير متوقعة. وهذا يسلّط الضوء على حقيقة أساسية في عالم الاستراتيجيات العسكرية: أنه لا يمكن السيطرة على الأحداث المفاجئة التي تحدث بسرعة وبتغييرات غير متوقعة. وهذا يجعل الاستجابة السريعة من جيش الدفاع الإسرائيلي في مواجهة هذه الأحداث تستحق التقدير، حيث كانت موجهة بثلاثة أهداف رئيسية.

أولًا، كانت إسرائيل تعمل على تعزيز دفاعاتها في مرتفعات الجولان. من خلال الاستعدادات التي بدأت قبل عدة أشهر، تمكنت من تنفيذ عمليات استباقية في المنطقة، وهو ما منحها القدرة على التفاعل بسرعة مع الوضع على الأرض. عززت سيطرتها على النقاط الاستراتيجية مثل قمم سلسلة جبال الشيخ، التي توفر نفوذًا كبيرًا في المناطق المحيطة مثل جنوب لبنان وعمق سوريا.

ثانيًا، كان الهدف هو تدمير الأسلحة التي تركها الجيش السوري في سوريا. من خلال هجمات جوية وبحرية مفاجئة، تمكنت إسرائيل من تدمير أنظمة أسلحة كانت ستشكل تهديدًا كبيرًا لو تم استخدامها ضدها في المستقبل. وقد تم تنفيذ هذه العمليات بسرعة ودقة، مما منَع استخدام الأسلحة التي كانت في متناول الميليشيات.

أما الهدف الثالث، فكان أكثر تعقيدًا: فقد كان لإسرائيل مصلحة في عدم السماح بالفوضى في جنوب سوريا، حيث تداخلت المصالح الإيرانية والميليشيات الشيعية في تهريب الأسلحة. على الرغم من التأكيد من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن إسرائيل لن تتدخل في مأسسة النظام الجديد في سوريا، فقد كانت لديها مصلحة واضحة في الحفاظ على الوضع القائم في المناطق الجنوبية، بما في ذلك منطقة حوض اليرموك، للحفاظ على توازن القوى ومنع تهديدات محتملة من جانب حزب الله أو الميليشيات الشيعية.

بينما تم تحقيق الهدفين الأولين بشكل فعال، فإن الهدف الثالث يظل معقدًا. سيكون من الضروري أن تواصل إسرائيل مراقبة التطورات عن كثب وأن تعمل على ضمان المصالح الاستراتيجية في المنطقة من خلال جهود دبلوماسية وعسكرية متوازنة.

أما بالنسبة للوضع الأوسع في سوريا، فهو يشير إلى حالة من عدم اليقين الجذري. كما أشار الحاخام جوناثان ساكس في إحدى مقالاته إلى كتاب “عدم اليقين الجذري” للمفكرين الاقتصاديين البريطانيين جون كاي وميرفن كينج، حيث يفرّق الكتاب بين المخاطر التي يمكن حسابها وعدم اليقين الذي لا يمكن التنبؤ به. في هذه الحالة، فإن التوجه نحو فهم الوضع بشكل عام هو الطريقة الأمثل للاستجابة، بدلًا من محاولة حساب الاحتمالات.

ومن بين التطورات المثيرة في المنطقة، يعد التوجه التركي نحو دعم الزعيم الجولاني من المتمردين السوريين مصدر قلق كبير. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يسعى لاستعادة طموحات الإمبراطورية العثمانية، قد يجد نفسه في موقع يهدد استقرار المنطقة بشكل أكبر. في حالة سقوط دمشق في أيدٍ سنية، قد يُستفز المتمردون الإسلاميون المتطرفون، مما يعيد تعزيز جماعات مثل القاعدة في سوريا.

في الوقت ذاته، يشكل الهجوم التركي المتوقع على المناطق الكردية شرق نهر الفرات تحديًا إضافيًا، حيث يهدد ذلك استقرار الأكراد في المنطقة ويضع إدارة الرئيس الأميركي أمام اختبار صعب في كيفية الدفاع عن حلفائها الأكراد.

أخيرًا، مع انهيار النظام الدولي الذي تأسس بموجب اتفاقيات سايكس-بيكو بعد الحرب العالمية الأولى، تبرز فرصة تصحيح بعض الأوضاع التاريخية، مثل قضية الأكراد الذين ظلوا بدون دولة طوال قرن من الزمان. الولايات المتحدة، بوصفها القوة العظمى، تواجه تحديات غير مسبوقة في التأثير على الاتجاهات الناشئة في سوريا، حيث لا يبدو أن الحلول جاهزة لتسوية النزاعات الإقليمية.

مما لا شك فيه أن إسرائيل اليوم تواجه واقعًا غير مسبوق، حيث لا يوجد هيكل دولي ثابت يعيد تشكيل المنطقة. إنها على مشارف فترة اختبار مصيرية قد تؤثر على مستقبل الأمن والاستقرار الإقليمي.

خيبة الأمل الإسرائيلية في سوريا:

أدى انهيار نظام الأسد والتطورات السريعة في سوريا إلى ضرورة استجابة فورية من دولة إسرائيل، مما استلزم تغيير جذري في تصورها الأمني التقليدي القائم على مبدأ “الفيلا في الغابة”. هذا التصور كان يعني أن إسرائيل ترى نفسها محاطة بيئة معادية لكنها تظل في عزلة نسبية، متجنبة التدخل المباشر في شؤون الدول المجاورة. لكن الواقع الجديد في سوريا فرض على إسرائيل اتخاذ خطوة جريئة نحو التدخل الاستراتيجي.

كان من الضروري لإسرائيل أن تتجاوز مجرد الدفاع عن خطّ حدود مرتفعات الجولان وأن تسعى لإسقاط قوتها العسكرية على الاتجاهات الناشئة في سوريا. تمثّل هذا في وضع هدف استراتيجي يركز على الحفاظ على السيطرة الإسرائيلية على الفضاء السوري المتاخم للحدود، بشكل يمكّنها من التأثير على ما يحدث في سوريا بشكل عام، ولحماية مصالحها الأمنية في كل من سوريا ولبنان. هذا التوجه كان يعكس فهمًا عميقًا مفاده أن التحفظ على المراقبة البسيطة والتزام الحذر لن يوفر لإسرائيل الأدوات اللازمة لخلق نفوذ في المفاوضات المستقبلية أو القدرة على حماية أمنها في مواجهة المخاطر المتزايدة من الأطراف الإقليمية.

وبذلك، أجبرت التطوّرات في سوريا السياسة الأمنية الإسرائيلية على تحطيم الحواجز التي كانت قد وضعتها في تصوراتها السابقة. هذا التحول يعني أن إسرائيل لم تعد تستطيع الاكتفاء بموقف الدفاع السلبي، بل كان عليها مواجهة الواقع الجديد والتكيف معه بشكل يعكس مرونة أكبر في التعامل مع المخاطر والفرص على حد سواء، ليتمكن جيش الدفاع الإسرائيلي من تعزيز مواضع نفوذه في المنطقة وحماية مصالحه الأمنية بشكل أكثر فاعلية.

جدل منذ البداية

منذ بداية المشروع الصهيوني، كان المجتمع اليهودي في فلسطين يواجه تحدياً جوهرياً في تحقيق التوازن بين اتجاهين متناقضين: الأول، الحفاظ على عزلة نسبية داخل حدود “الفيلا” – بمعنى الحفاظ على وجود يهودي آمن ومنغلق على نفسه في منطقة محاطة بالعداء؛ والثاني، الاندماج والانخراط في الفضاء العربي والإقليمي، مما يتطلب الاندماج مع البيئة المحيطة بدلاً من العزلة عنها. هذا التوتر بين الانعزال والتفاعل مع المحيط كان أيضاً حاضراً في المجال المعماري.

ففي بداية الهجرة اليهودية، تم إنشاء المستوطنات الأولى مثل كفار تابور ويفنائيل في أماكن تسمح بمرور العرب واليهود معاً، مما يعكس رغبة في التفاعل مع البيئة العربية. لكن مع مرور الوقت، وتحديداً في الهجرة الثالثة وما بعدها، تغيرت أساليب البناء بحيث تم إنشاء مستوطنات بعيدة عن الطرق الرئيسية، مثل معسكرات مغلقة، ما يعكس تزايد الحاجة إلى الحماية الأمنية والانغلاق. وهذا التغيير في سياسة البناء كان يتناغم مع تطور التوترات العسكرية والسياسية في المنطقة، خصوصاً بعد الأحداث الهامة في الفترة بين 1936 و1939، حيث ظهرت تساؤلات حول الطريقة المثلى للدفاع عن الوجود اليهودي في فلسطين.

في هذا السياق، كان هناك نزاع حول ما إذا كان يجب الدفاع داخل الحدود المحددة للسياج أم خارجه. كانت هناك مقاومة لفكرة الخروج إلى الفضاء الأوسع، حيث كانت المستوطنات تتجنب الدخول في الأراضي العربية أو التفاعل معها بشكل مباشر، ما يعكس رغبة في الحفاظ على التميز والانفصال. ومع ذلك، في هذا السياق، كانت هناك أصوات مثل إسحاق ساديه وأوردي وينجيت الذين اعتبروا أن الدفاع عن المستوطنات يتطلب التفاعل المباشر مع البيئة المحيطة، وهو ما يتطلب التحرك خارج أسوار المستوطنات.

كما وصفت أنيتا شابيرا في كتابها “سيف الحمامة”، كانت محاولات وينجيت لقيادة رجاله إلى نشاطات دفاعية نشطة خارج المستوطنات مثيرة للجدل. كان هذا التوجه يشير إلى رغبة في التفاعل والتداخل مع الفضاء المحيط، ليس فقط من منطلق دفاعي، بل أيضاً من منظور ثقافي، حيث كانت هذه الحركة تمثل رغبة في التفاعل والاندماج مع البيئة التي يتواجدون فيها، بدلاً من العزلة.

في وقت لاحق، وفي سياق السياسة الإسرائيلية تحت قيادة دافيد بن غوريون، تحولت إسرائيل إلى سياسة استباقية خارج حدودها. فقد كانت الوفود الإسرائيلية تنشط في أفريقيا في مجالات الزراعة والأمن، في حين أن القوات الإسرائيلية مثل وحدات المظلات قامت بدعم الأكراد في العراق في ستينيات القرن العشرين ضد الجيش العراقي. هذا التوجه الاستباقي خارج الحدود لم يكن مجرد سعي لتحسين الوضع الأمني فحسب، بل كان تعبيراً عن رؤية إسرائيلية تستهدف التأثير على المنطقة، والاندماج في فضائها الإقليمي بشكل نشط، بدلاً من التراجع إلى الانعزال داخل حدود “الفيلا”.

جوهر الفجوة الإدراكية:

بين النهج الذي يقتصر على “الفيلا” والنهج الذي يتطلب الانخراط النشط في الفضاء الإقليمي، هناك فارق عميق في فهم الواقع الجيوسياسي. النهج الذي يحدّ نفسه ضمن الحدود، كما في المثال السويسري، يقوم على فرضية أن الأوضاع الأمنية يمكن أن تستقر بمجرد تحديد خطوط واضحة للحدود، مع الاعتقاد أن الدول يمكنها الحفاظ على أمنها من خلال الانعزال النسبي والتركيز على حمايتها الداخلية. لكن هذا الطموح إلى الحصر يعاني من نقص كبير في الفهم الحقيقي للعلاقات الدولية، حيث يستند إلى فكرة أن الأوضاع الإقليمية يمكن أن تبقى ثابتة ودائمة، وهو أمر غير واقعي في عالم العلاقات الدولية المتقلب.

أما النهج الثاني، الذي يدعو إلى المشاركة النشطة في الفضاء الإقليمي، يعترف بالحقيقة المعقدة التي تقول إن الأوضاع الأمنية في أي دولة ليست ثابتة، بل هي عرضة للتغيير المستمر والاضطرابات المفاجئة. بناءً على هذا الفهم، لا يتم قياس الوضع الاستراتيجي لأي دولة بناءً على ما تستطيع حمايته داخل حدودها فحسب، بل على التحالفات التي تقيمها وقدرتها على المشاركة الفعالة في الاتجاهات الإقليمية الناشئة. بمعنى آخر، لا يمكن لدولة أن تتوقع الاستقرار التام إذا اكتفت بمراقبة الأحداث من داخل حدودها فقط.

هذا النهج هو ما تعتمد عليه دول مثل تركيا، التي تتواجد في ليبيا ومنطقة القرن الأفريقي، وتسعى إلى تعزيز وجودها العسكري في سوريا. نفس الشيء ينطبق على مصر التي شاركت مؤخراً في الصومال، وقطر التي تعمل على تعزيز نفوذها في مناطق مختلفة باستخدام قوتها المالية. من خلال هذا الانخراط النشط، تسعى هذه الدول إلى تشكيل تأثيرات في المنطقة وفقاً لمصالحها الاستراتيجية.

بالنسبة لإسرائيل، على الرغم من أن الموساد عمل ويعمل بكفاءة في الداخل والخارج من خلال عمليات سرية، إلا أن الحضور العلني أصبح أكثر ضرورة في سياق السياسة الإقليمية المعقدة. كان النهج الإسرائيلي التقليدي القائم على “الفيلا” محدوداً وغير فعال، ليس فقط على المستوى الأمني بل على المستوى الثقافي والاجتماعي أيضاً. ومع استمرار التغيرات في النظام الإقليمي، أظهرت هذه السياسة حدودها بوضوح. لهذا، يتطلب مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي اليوم تحديثاً جذرياً يتماشى مع المتغيرات الإقليمية والدولية، ويعزز القدرة على التأثير والمشاركة بشكل نشط في التحولات التي تجري في المنطقة.

الملخّص التنفيذي:

يكشف انهيار نظام الأسد في سوريا عن أن الشرق الأوسط عبارة عن نظام بيئي ديناميكي حيث يمكن للتغييرات الصغيرة أن تؤدّي إلى مفاجآت كبيرة. استجابت قوّات الدفاع الإسرائيلية بسرعة للانهيار بثلاثة أهداف:

  1. تعزيز الدفاعات في مرتفعات الجولان،
  2. تدمير الأسلحة السورية،
  3. إبراز القوّة في الفضاء الإقليمي.
  4. اللواء (المتقاعد) غيرشون هاكوهين
  5. اللواء (احتياط) غيرشون هاكوهين هو زميل باحث أول في مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية. خدم في جيش الدفاع الإسرائيلي لمدة 42 عاماً. قاد القوات في معارك مع مصر وسوريا. كان سابقاً قائد فيلق وقائداً للكليات العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي.

ترجمة: يوسف سامي مصري

شباط/فبراير 2025

رابط البحث

https://besacenter.org/israel-and-the-emerging-trends-in-syria/