ذات صلة

بين الطموح والتنفيذ: ما وراء مخرجات مؤتمر 2025 في دمشق

من المفترض أن المؤتمر الوطني الحواري السوري يُعتبر خطوة مهمة على طريق الحوار بين الأطراف المختلفة في سوريا، بما في ذلك النظام والمعارضة. وهو يعكس محاولات لتوحيد وجهات النظر والبحث عن حلول سياسية، اجتماعية واقتصادية تعالج القضايا التي أثرت بشكل كبير على سوريا طوال سنوات الأزمة. إلا أن نجاح هذا المؤتمر في تحقيق تغيير حقيقي يظل محل تساؤل، خاصة في ظل الصراعات المستمرة والتباين الكبير بين أطرافه.

القلق يكمن في أن مثل هذه المؤتمرات قد تكون مجرد محطات تكتيكية لتخفيف الضغوط الدولية أو لتجميل صورة النظام، دون أن تسهم في تغييرات جذرية تلبي تطلعات السوريين الذين يعانون من تداعيات الحرب والتشرد والدمار. علاوة على ذلك، تبقى إمكانية تحقيق توافق حقيقي بين جميع الأطراف متشككة، بالنظر إلى اختلاف الأيديولوجيات والمصالح السياسية.

لكي يكون للمؤتمر تأثير حقيقي، يتطلب الأمر إرادة سياسية من جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى آليات تنفيذ فعالة تضمن تحقيق الأهداف المعلنة وتحسين الوضع المعيشي والسياسي للسوريين في المستقبل.

انتقادات حادة وتفاعل السوريين مع المؤتمر:

حظي المؤتمر بتفاعل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تباينت الآراء بين مؤيد ومعارض وساخر. كما اعتذر بعض الشخصيات السورية عن المشاركة، مثل الدبلوماسي السابق جهاد مقدسي، الذي أوضح عبر منشور على “فيسبوك” أنه تلقى الدعوة قبل يوم واحد فقط، مما جعله غير قادر على الحضور من واشنطن إلى دمشق، إلى جانب التزامات أخرى. ورغم ذلك، أعرب مقدسي عن شكره للجنة المنظمة وتمنى النجاح للمؤتمرين.

وانتقد عدد من المتابعين آلية تنظيم المؤتمر، حيث كتب الخبير في المناصرة والسياسات، محمد كتوب، عبر “فيسبوك”: “من العيب أن يُعقد مؤتمر الحوار الوطني بهذه الطريقة، فهذا انتقاص من تضحيات الشعب على مدار 14 عامًا، ومن صبره على الاستبداد طوال 54 عامًا. من غير المقبول إرسال الدعوات بأسلوب أقل احترافية من دعوات المناسبات العائلية، ومن المؤسف أن يحمل اسم مؤتمر الحوار الوطني السوري”.

واجه مؤتمر “الحوار الوطني السوري” انتقادات حادة بسبب آلية تنظيمه ومدة انعقاده القصيرة. فقد وُصفت جلساته بالفوضوية والسريعة، وتم تنظيمه بطريقة اعتُبرت “غير مسؤولة”، حيث لم تُرسل الدعوات إلى المشاركين إلا قبل أقل من 48 ساعة من موعده، مما تسبب في استياء البعض ودفع آخرين إلى الاعتذار عن الحضور. كما ضمت قائمة المدعوين شخصيات مقيمة في أوروبا والولايات المتحدة، ما أثار تساؤلات حول مدى جدية المؤتمر وفعاليته.

كان من المتوقع أن يُعقد المؤتمر بعد شهرين على الأقل، لمنح اللجنة التحضيرية الوقت الكافي لإنجاز مخرجات اللقاءات الحوارية التي نُظمت في المحافظات، والتي تجاوز عددها الثلاثين لقاءً، بمشاركة نحو 4000 شخص. وأسفرت هذه اللقاءات عن تسجيل أكثر من 2200 مداخلة، بالإضافة إلى استلام أكثر من 700 مشاركة مكتوبة، وكل ذلك تم خلال أقل من أسبوع.

أكراد سورية غائبون عن المؤتمر:

انتقادات حادة لمؤتمر الحوار الوطني في دمشق وغياب التمثيل الشامل للمكونات السورية

واجه مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في دمشق انتقادات واسعة من عدة أطراف سياسية، وسط اتهامات بعدم شموليته لجميع المكونات السورية وعدم التمثيل الحقيقي للقوى الفاعلة على الأرض.

حيث أعرب المجلس الوطني الكردي عن استيائه من الطريقة التي نُظم بها المؤتمر، معتبرًا أنه يشكل انتهاكًا واضحًا لمبدأ الشراكة الوطنية، الذي يفترض أن يكون أساس أي حوار وطني شامل. وأكد المجلس أن أي مؤتمر يسعى إلى وضع حلول للأزمة السورية يجب أن يعكس التعددية المجتمعية والسياسية في سوريا، محذرًا من أن تغييب بعض الأطراف سيؤدي إلى نتائج غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ.

“الإدارة الذاتية” وقسد: لم تتم دعوتنا للمؤتمر:

من جانبها، أكدت إلهام أحمد، المسؤولة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وفرهاد شامي، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أن أي جهة كردية رسمية لم تُدعَ لحضور المؤتمر، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى التزام الجهات المنظمة بضمان تمثيل عادل وشامل لكافة الأطراف السورية. وأوضحا أن تهميش مكون أساسي مثل الأكراد يعكس استمرار نهج الإقصاء، مما يضعف فرص نجاح أي مبادرة سياسية.

في السياق ذاته، وصف حكمت حبيب، عضو الأمانة العامة للهيئة الوطنية العربية، المؤتمر بأنه يفتقر إلى التمثيل الحقيقي، معتبرًا أنه جاء نتيجة تحضيرات سريعة نفذتها لجنة منحازة لجهة واحدة دون مراعاة التنوع السياسي والإثني والجغرافي في سوريا. وأوضح حبيب أن العديد من الأطراف أبدت تحفظاتها منذ الإعلان عن تشكيل اللجنة التحضيرية، حيث لوحظ غياب التوازن في تركيبتها، ما أدى إلى مؤتمر يعيد إنتاج نفس المشهد السياسي غير الفاعل.

وأضاف:

“منذ البداية، كنا ندرك أن المؤتمر لن يجدي نفعًا، وما حدث اليوم أكد مخاوفنا، إذ جاء على غرار المؤتمرات الخارجية مثل أستانا وجنيف، التي لم تضم القوى السياسية الفاعلة على الأرض، بل اكتفت بدعوة بعض الشخصيات المستقلة دون أي تأثير حقيقي في مسار الأزمة السورية.”

يأتي هذا الجدل في ظل تصريحات سابقة للقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، الذي وجّه التهنئة لأحمد الشرع بمناسبة توليه رئاسة البلاد، مؤكدًا على ضرورة تعزيز التواصل بين جميع السوريين. كما شدد عبدي على التزام قسد بإخراج جميع المقاتلين غير السوريين من صفوفها، في إطار سعيها إلى تشكيل جيش وطني موحد، يضم جميع المكونات السورية، وهو ما يُطرح كخطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار السياسي والعسكري في البلاد.

تُسلّط هذه الانتقادات الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه جهود الحوار الوطني في سوريا، حيث يظل غياب التمثيل المتوازن والفعال لكافة الأطراف عقبة رئيسية أمام أي تقدم حقيقي. وبينما تدعو بعض الجهات إلى فتح قنوات تواصل جديدة تشمل جميع السوريين دون إقصاء، يرى آخرون أن استمرار هذه المؤتمرات بشكلها الحالي لن يسهم إلا في تعميق الانقسامات، مما يزيد تعقيد المشهد السوري بدلاً من إيجاد حلول عملية للأزمة الممتدة منذ أكثر من عقد.

انطلاق المؤتمر وتصريحات الشرع:

افتُتِحَت أعمال المؤتمر يوم الثلاثاء، 26 شباط 2025، في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، وسط جهود حثيثة من السلطات الجديدة لإدارة المرحلة الانتقالية التي تلت الإطاحة بحكم بشار الأسد. وشهدت الجلسة الافتتاحية حضور شخصيات سياسية وعسكرية ودبلوماسية، إلى جانب ممثلين عن مختلف القوى الوطنية والإقليمية والدولية المهتمة بمستقبل سوريا.

وفي كلمته الافتتاحية، أكد الرئيس السوري أحمد الشرع على أهمية الحفاظ على استقرار البلاد خلال هذه المرحلة الحساسة، مشددًا على أن سوريا يجب ألا تتحول إلى “حقل تجارب لتحقيق أحلام سياسية غير واقعية أو غير مناسبة لواقعها”. كما شدد على مبدأ وحدة سوريا أرضًا وشعبًا، معتبرًا أن وحدة السلاح تحت سلطة الدولة أمر لا يقبل المساومة، وذلك لضمان الأمن والاستقرار ومنع الفوضى التي قد تستغلها بعض الأطراف لتحقيق أجندات خاصة.

وفي سياق حديثه، رفض الشرع محاولات استيراد أنظمة سياسية لا تتلاءم مع الخصوصية السورية، مشيرًا إلى أن أي نموذج سياسي مستقبلي يجب أن ينبع من الواقع السوري وتاريخه وتركيبته الاجتماعية. كما دعا إلى حوار وطني شامل يجمع مختلف مكونات المجتمع السوري، بما يضمن بناء دولة حديثة قائمة على أسس العدالة والمواطنة وسيادة القانون.

مخرجات المؤتمر:

في ختام المؤتمر، تم إصدار البيان الختامي الذي تضمن مجموعة من النقاط الأساسية التي تم بحثها ومناقشتها على مدى الأيام الماضية. وتعتبر هذه النقاط بمثابة إطار عمل للمرحلة الانتقالية في سوريا، وتستند إلى أسس تهدف إلى ضمان استقرار البلاد وتحقيق التغيير المطلوب في ظل الظروف الراهنة.

أهم النقاط التي تضمنها البيان كانت:

  • الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها: شدد البيان على رفض أي محاولات للتقسيم أو التنازل عن أي جزء من أراضي سوريا، مؤكدًا أن وحدة البلاد تعد أولوية لا يمكن التفريط فيها.
  • إدانة الاحتلال الإسرائيلي: تم التأكيد على إدانة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، مع مطالبة بانسحاب إسرائيل الفوري وغير المشروط من الأراضي المحتلة.
  • حصر السلاح بيد الدولة: تم التأكيد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة فقط، والعمل على بناء جيش وطني احترافي مع تصنيف أي تشكيلات مسلحة خارج المؤسسات الرسمية على أنها جماعات خارجة عن القانون.
  • الإسراع بإعلان دستور مؤقت: تم التوجيه بالإسراع في إعلان دستور مؤقت يتناسب مع متطلبات المرحلة الانتقالية، وذلك من أجل سد الفراغ الدستوري وتعجيل استقرار الدولة.
  • تشكيل مجلس تشريعي مؤقت: تم الاتفاق على تشكيل مجلس تشريعي مؤقت يقوم بالمهام التشريعية وفق معايير الكفاءة والتمثيل العادل.
  • إعداد مسودة دستور دائم: تم التأكيد على ضرورة إعداد مسودة دستور دائم يرسخ مبادئ العدالة والحرية والمساواة، مع ضمان التوازن بين السلطات.
  • تعزيز الحريات العامة: شمل البيان الدعوة لتعزيز الحريات العامة، وضمان حرية الرأي والتعبير، واحترام حقوق الإنسان.
  • تمكين المرأة ودعم حقوق الطفل: تم التأكيد على أهمية تمكين المرأة وتعزيز حقوق الطفل وذوي الاحتياجات الخاصة، وتفعيل دور الشباب في بناء الدولة والمجتمع.
  • مكافحة التمييز وتحقيق المساواة: ركز البيان على ترسيخ مبدأ المواطنة ونبذ جميع أشكال التمييز العرقي أو الديني، وتحقيق تكافؤ الفرص بعيدًا عن المحاصصة الطائفية أو العرقية.
  • تحقيق العدالة الانتقالية: تم التأكيد على أهمية تحقيق العدالة الانتقالية من خلال محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، مع إصلاح النظام القضائي.
  • تعزيز التعايش السلمي: تم التأكيد على أهمية تعزيز التعايش السلمي ورفض العنف والتحريض والانتقام، مع التركيز على تحقيق السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي.
  • إصلاح المؤسسات الحكومية: تم التأكيد على ضرورة إصلاح المؤسسات الحكومية وتعزيز التحول الرقمي لمكافحة الفساد وتحسين كفاءة العمل الإداري.
  • تحقيق التنمية الاقتصادية: تم التركيز على أهمية تنمية القطاعات الاقتصادية المختلفة مثل الزراعة والصناعة والاستثمار، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
  • رفع العقوبات الدولية: تم التأكيد على ضرورة رفع العقوبات الدولية عن سوريا، حيث أصبحت هذه العقوبات عبئًا إضافيًا على الشعب السوري.
  • إصلاح النظام التعليمي: تم التأكيد على أهمية إصلاح النظام التعليمي وضمان جودته، مع
  • التركيز على التعليم المهني لخلق فرص عمل جديدة.
  • تعزيز ثقافة الحوار الوطني: شمل البيان دعوة لتعزيز ثقافة الحوار الوطني، واستمرار اللقاءات الحوارية على مختلف المستويات، مع ضمان الشفافية في المداولات.

وأخيرًا، أكد البيان الختامي أن هذه المخرجات تشكل خارطة طريق لمستقبل سوريا، مع ضرورة متابعة تنفيذها لضمان استقرار البلاد وتحقيق التغيير المنشود. كما شدد على أهمية استمرار الحوار بين جميع مكونات المجتمع السوري، من أجل ضمان المصالحة الوطنية وتجاوز التحديات التي قد تواجه المرحلة الانتقالية.

رغم الطموحات التي يحملها البيان، يبقى السؤال الأهم: هل سيتحول هذا المؤتمر إلى خطوة عملية نحو التغيير الفعلي، أم سيظل مجرد حوار دون تنفيذ حقيقي في وقت يحتاج فيه الشعب السوري إلى أفعال ملموسة وقرارات حاسمة لتحقيق التغيير المنشود؟